بعد الكثير من التصعيد الكلامي والتهديد والوعيد، جاءت الضربة الإسرائيلية لإيران لتكون "تنفيسة" لصراع كاد أن يتّسع ليطال المنطقة، رغم عدم رغبة إيران وأميركا بذلك، وهكذا يكون رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو قد التزم بما رسمه الأميركيون من خطوط حمراء للضربة، بالتزامن مع إشاعة أجواء تفاوضية إيجابية، تظن الإدارة الديمقراطية أنها تخدم مرشحتها كامالا هاريس في السباق الرئاسي.

يعتبر كثيرون أن الإدارة الأميركية تمنّي النفس بوقف الحرب قبل موعد الانتخابات في 5 تشرين الثاني المقبل، لكن الوقائع تُظهر أن هذه الأمنية تكاد تكون مستحيلة، إذ ترى مصادر سياسية متابعة أن ما يجري اليوم في المنطقة هو محاولة أميركية، بتجاوب إسرائيلي، لتبريد الجبهات الساخنة تحديداً بين إيران وإسرائيل، مشيرة عبر "النشرة" إلى أن أقصى ما يمكن لنتانياهو تقديمه لإدارة بايدن اليوم هو هذا التبريد بالإضافة الى خلق جو إيجابي تفاوضي، يعلم رئيس حكومة العدو أنه لا يؤدي الى نتيجة.

تعتبر المصادر أن إدارة الديمقراطيين بعد أن استثمرت بالحرب خلال الشهرين الماضيين، بعد فشلها في محاولات وقفها، تخشى من مفاجآت غير سارة تطيح بحظوظها الانتخابية، لذلك رفضت رفضاً قاطعاً على سبيل المثال التعرض للنفط الإيراني، لأن ضربة كهذه من شأنها أن تخضّ أسعار النفط عالميًّا وهذا الأمر من الأمور الأساسية للغاية للناخب الأميركي، كما كانت تخشى من ضربة إسرائيلية كبيرة لإيران تجعل الأخيرة مضطرة الى الرد بشكل يُشعل المنطقة قبل الانتخابات، وهو ما لا يناسب أميركا بطبيعة الحال.

من هذا المنطلق تقرأ المصادر ما يجري اليوم في المنطقة من مبادرات، لن تؤدي حتماً برأيها الى وقف الحرب، خصوصاً قبل 5 تشرين الثاني المقبل، مشيرة الى أن ما يجري قد يمهد الأرضية لمرحلة جدية من التفاوض بعد الانتخابات بحسب النتائج، إنما من المبكر الحديث عن تواريخ لانتهاء الحرب على لبنان، علماً أن نتانياهو لا يزال مصراً على استكمال حربه حتى النهاية.

بالمقابل فإن حزب الله يدرك بدوره أن الميدان هو صاحب الكلمة الأساس، فلو أظهر ضعفاً أو تراجعاً فإن الشهية الإسرائيلية لن تتوقف عند حدود بضعة كيلومترات في الجنوب، وعندها لن تكون أيّ قوة في العالم قادرة على وقف حربه طالما أن أهدافه تتحقق، وبالتالي فإن الميدان وصمود الحزب هو الأساس بتحديد مدة الحرب.

تكشف المصادر أن بعض الأجواء الدوليّة نقلت رسائل سلبيّة الى لبنان، حول مدّة الحرب التي قد تستمر الى نهاية الشهر المقبل على أحسن تقدير، وحول حجم التصعيد، حيث تلفت الى أن هذه الرسائل تحذر من تصعيد كبير مقبل، انطلاقاً من رغبات نتانياهو الذي يبلغ من يتصل به بأن أهدافه لم تتحقق بعد وهو مصر على تحقيقها.

تختلف الرؤى حول مسار ومصير هذه الحرب، بين من يراها قصيرة لن تتخطى نهاية تشرين الثاني، وبين من يراها متوسطة المدّة، تنتهي مع نهاية كانون الثاني من العام المقبل واستلام الإدارة الأميركية الجديدة مهمتها، ومن يراها طويلة لأشهر، لأنّ نتانياهو الذي لم يوقف الحرب في غزة لأهداف أبعد من القطاع، لن يوقف اعتداءاته على لبنان لنفس الأسباب، فما يسعى إليه أبعد من غزة ولبنان ويصل الى طهران.