في كلمة الامين العام الجديد لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، كان تشديد على ان الحزب استعاد قوته، والميدان شاهد على ذلك. صحيح ان اسرائيل لم تستطع بعد احتلال اجزاء من لبنان، وان عملياتها العسكرية تقوم على مبدأ "اضرب واهرب"، ولكنها تعتمد في المقابل سياسة الارض المحروقة بكل ما للكلمة من معنى. ومع اعترافها بأنها غير قادرة على احتلال الاراضي اللبنانية والبقاء فيها، الا ان لها خطة اخرى تعمل عليها منذ أمد، وهي تفجير لبنان من الداخل، عبر الفتنة الداخليّة التي تدرك تل ابيب جيداً انه يمكن اشعالها بسهولة، للاسف، ولم تكن الاشادة الكبيرة برئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع في وسائل الاعلام الاسرائيلية منذ ايام بعيدة عن هذا التوجّه، وهي صبّت في هذا السياق من دون ادنى شك، بهدف تأجيج اللبنانيين وتأليبهم على بعض.
ما سرّ استهداف اسرائيل للبلدات والقرى والابنية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، وهل يصدق احد بالفعل انها كلها تضم مخازن واسلحة ومسؤولين حزبيين؟ بالطبع لا، الهدف من هذه الحملة، حتى في ظل التفاؤل الكبير بقرب التوصل الى "هدنة" او "وقف للاعمال العسكرية" او تعليقها، هو تقليص مساحة لبنان، ووضع اكبر قدر من اللبنانيين من مختلف الانتماءات الدينية والسياسية والاجتماعية في مساحة جغرافية صغيرة جداً، بحيث تزيد نسبة الخلافات بشكل كبير، ولا مفر بعدها من حصول اشتباكات لاسباب عديدة. هذه الخطة الممنهجة، ادّت واقعياً الى تقليص مساحة لبنان، فالمناطق المستهدفة باتت غير قابلة للعيش فيها، وحتى اذا كانت الارادة موجودة لعودة النازحين اللبنانيين الى حيث كانوا، فالامر يحتاج الى الكثير من الوقت والجهد والمال... وفي غضون ذلك، تكون الساحة جاهزة للمواجهات الفرديّة في مختلف المناطق اللبنانية، وهذا من شأنه ان يضع لبنان على شفا الحرب الداخليّة. ولعل الكلام الصادر عن النائب جميل السيّد بالامس من ان على الجيش مسؤولية كبيرة في تدارك هذا البرنامج الاسرائيلي المعدّ بجهد كبير، دليل واضح على جدّية ما يحصل.
وتعتقد شخصيّة مسؤولة متابعة لما يشهده البلد، ان التفاؤل عن قرب التوصل الى وقف لاطلاق النار، او اي تسمية اخرى، يمكن ان تقبل به اسرائيل، ليس لانها حققت اهدافها كما قيل، ولكن لافساح المجال امام مخطّطها الحقيقي بإثارة الفتنة الداخليّة وتفجير البلد من الداخل، لانّ هذا الامر وحده كفيل بإضعاف حزب الله بشكل اكبر مما تعرّض له من ضربات واغتيالات، و"تصفية" اللبنانيين لحساباتهم بين بعضهم هي الطريقة الانجع لقهر الحزب. من هنا، فإن وضع حدّ للحرب، سيسمح بتركيز اللبنانيين على مشاكل ما بعد الحرب، في ظل استحالة عودة النازحين الى قراهم وبلداتهم في السرعة المطلوبة (على غرار ما حصل العام 2006) لاسباب تقنية وعملية لا يمكن القفز فوقها. والجميع يعلم ان التركيز على التداعيات، سيسمح بالقاء اللوم على بعض، في فترة يشعر فيها الطرف الشيعي انه "مضطهد" لانّه يتم النظر اليه على انه سبب الحرب، وترى الاطراف الاخرى ان الفرصة ستكون سانحة لتقليص نفوذ الحزب و"امل" في الشؤون الداخليّة للمرة الاولى منذ عقود طويلة.
ولكن، وفق الشخصية نفسها، فإنّ هناك بصيص امل يتمثل في عدم رغبة الدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية في نشر الفوضى التامّة في لبنان، ولذلك سيتم تعزيز الجيش (عدّة وعديداً)، مع التشديد على ان السلاح النوعي -الذي يكسر ميزان القوى مع اسرائيل- لا يزال ممنوعاً عليه (اي سلاح الجو او انظمة الدفاعات الجويّة الفاعلة)، وكل ما يتم تقديمه الى الجيش يكون محصوراً للسيطرة على الوضع الداخلي فقط. وفي هذا المجال، ترى الشخصيّة المسؤولة ان لا مصلحة للدول الكبرى باضعاف الجيش او تعريضه للانقسام، كونه البديل الوحيد القادر على تولّي الاوضاع في غياب الثقة بكل المؤسسات الاخرى، وهذا بحد ذاته امر ايجابي للبنانيين الذين يرون في الجيش اصلاً مصدر راحة لهم وطمأنينة.
لذلك، فإنّ الانظار متجهة الى الجيش، ليس فقط للانتشار على الحدود الجنوبيّة لانها مسألة شكليّة في ظلّ غياب السلاح الفاعل للدفاع عن نفسه وعن البلاد، انما لمعرفة جهوزيّة الدول من تجهيزه ومساندته للتعاطي مع التحدّيات الداخلية، خصوصاً بعد وقف لغة العمليّات العسكريّة.