أن تَختارَها الآُلوهَةُ مَقَرَّاً لَها، وَلِأجلِها تُغادِرُ أخدارَها لِتَستَقِرَّ فيها، وَعلى إسمِها تُعلي هَياكِلَ وَحدَها جَديرَةُ بإحتِضانِ قُدسِيَّتَها بَينَ بَني البَشَرِ، في ذَلِكَ إعجازُ ظَفَرِ الإستِدلالِ.
هي بَعلَبَكُّ. فِعلُ وجودِ الأُلوهَةِ فيها، وَمِنها وضوحُ هذا الوجودِ في بَديهِيَّةِ المُستَدِلِّ، كالنورِ إذ يَفتَحُ عَينَي الجَوهَرِ لِيَرى النورَ، لِيَلمُسَهُ، لِيَصيرَهُ.
هي بَعلَبَكُّ. دَليلُ وجودِ الأُلوهَةِ فيها، وَمِنها بُرهانُها المُتراميُ على الإيمانِ في بَديهِيَّةِ المؤمِنِ، كَرِفعَةِ الأعمِدَةِ بِتَساميَ تَكليلِها بِهالاتِ جَلالِ الأرضِ إكراماً لِلسَماءِ، وَقَد صارَتها.
هي بَعلَبَكُّ. قياسُ وجودِ الأُلوهَةِ فيها، وَمِنها إثباتُ إقتِناعِها في بَديهيَّتَيها: الأَوَّلِيَّةِ الخَفيَّةِ، والنِهائِيَّةِ البَهيَّةِ، كَشَهادَةِ الوَعي لا يُمسِكُ وجودَها وَلا يَرميها... بَل بِها، الأُلوهَةُ، إهتِداؤها حَدَّ الإثباتِ وإثباتُها حَدَّ اليَقينِ.
أفي ذَلِكَ جُرأةُ بَعلَبَكُّ؟ بَل جُرأةُ الأُلوهَةِ التي إختارَتها لِتَوكيدِ حَقيقَتِها: هي مَوجودَةٌ لِأنَّ بَعلَبَكَّ مَوجودَةٌ. بِالأحرى: هي، بَعلَبَكُّ مَوجودَةٌ، إذاً الأُلوهَةُ مَوجودَةٌ. وَفي ثَباتِ جَوهَرِ هذا الوجودِ الواحِدِ الأحَدِ، عُبورُ هوَّةِ الشَكِّ مِن جِهَةٍ وَغَياهِبَ الظَلامِيَّةِ مِن جِهَةٍ أُخرى.
يا لِهذا السِرِّ المُتَدَفِّقِ ناراً مُقَدَّسَةً في تَعَبُّدٍ قُدسِيٍّ صادِقٍ في وَقارِهِ حَدَّ ما بَعدَ بَعدَ العَظَمَةِ الكُلِيَّةِ.
أجَل! في ذاتِها، بَعلَبَكُّ، وجودُ العالَمِ، والأُلوهَةُ ما إختارَتها لَو لَم تَكُن حَقيقَتَها، فإنحَدَرَت إلَيها، وَفيها إستَقَرَّت، وَمِنها شَرُفَت في اليَقظَةِ فَوقَ إضطِرابِ الضَلالاتِ بإستِنزالِ إتِّساقِ الجَمالِ.
خَطُّ الأُلوهَةِ
خُذِ الإسمَ: حِكمَةُ الإغريقِ تآخَت لِمَرَّةٍ وَحيدَةٍ وَأُبَّهَةَ روما لِتَوحيدِ إسمِها-النِعمَةِ. Ἡλιούπολις. Hēlioúpolis. حاضِرَةُ الشَمسِ. إلتِهابُ النارِ-النورِ بِدِفءِ إنبِعاثِ الحَياةِ. وَقَبلَهُما، في نُصوصِ الميشناهِ الحاخاميَّةِ العِبرِيَّةِ bʿlbk בעלבכי، هي المُقَدَّسَةُ. وَيؤَكِّدُ ذَلِكَ الأُسقُفُ أوسابيوسُ القَيصَرِيُّ مؤَرِّخُ الكَنيسَةِ في كتابِهِ "تيوفانيا" وَرَبولا أسقُفُ الرُها في مؤَلَّفِهِ "السيرَةُ التَقديسِيَّةُ".
خُذِ الجُغرافيا: هي قَلبُ وادٍ خَصبٍ مُمعِنِ الإمتِدادِ بَينَ قِمَمِ سِلسِلَتَي جِبالِ لبنانَ وَمُجَمَّعٍ مائيٍّ رَئيسيٍّ يَربِطُ الطَريقَ مِن صورَ-ذُروَةِ-العَقلِ إلى تَدمُرَ وَليدَتِها، وَمِنها الى الصَحراءِ-صِنوِ-غُموضِ-المَجهولِ، مَسكِنُ-الأبالِسَةِ، فَيَعلو إسمُها إمتَدادَ جَوهَرٍ Baʿal Nebeq "بَعلُ-المَنبَعِ"، غَزارَةَ التَذَهُّنِ المُعَمِّدِ بِطُهرِ المياهِ.
خُذِ التاريخَ: ها عَلاماتُ إستِقرارِ بَني البَشَرِ فيها مُستَمِرٌّ على مَدى 9000 سَنَةٍ. وَها الطوباويُّ البَطريَركُ-العَلَّامَةُ إسطفانُ الدويَهيُّ يَكتُبُ أنَّ هَياكِلَها أقدَمُ ما بَناهُ البَشَرُ في العالَمِ، حَيثُ أنشأها الفينيقِيُّونَ-الُلبنانِيُّونَ في أوائِلَ القَرنِ الـعِشرينِ قَبلَ الميلادِ. وَها الأساطيرُ الإسلامِيَّةُ تَروي أنَّ مُجَمَّعَ هَياكِلَها بَناهُ الجِنُّ وَغَدا مَقَرَّ سُلَيمانَ الذي قَدَّمَهُ هَدِيَّةَ زَفافٍ لِبَلقيسَ مَلِكَةِ سَبأ. وَها روما تَرفَعُها جِزءاً مِن إقليمِ بيريتوسَ فَيُمَجِّدُها يوسيفوسُ فلافيوسُ، وَبلينيوسُ الأكبَرُ، وَسترابو، وَبَطليموسُ، وَتَصُكُّ هَياكِلَها على العُمُلاتِ المَعدِنِيَّةِ لِكافَّةِ أباطِرَتِها مِن نيرفا إلى غالينوسَ بَينَ القَرنَينِ الأوَّلِ والثالِثِ ميلاديّ، بَعدَما مَنَحَتها لَقَبَها الأعظَمِ Augusta .Felix Heliopolitana
خُذِ الإيمانَ: وَهو الأبقى. هَياكِلُها ثالوثِيَّةٌ لِلثالوثِ الإلَهيِّ الفينيقيِّ-الُلبنانِيِّ: الإلَهُ-الأَبُ (الهيكَلُ الأضخَمُ في الأرضِ)، الإلَهَةُ الأُمُّ (الهَيكَلُ التِسعيُّ الأضلاعِ)، الإلَهُ الإبنُ (الهَيكَلُ السُداسِيُّ). ثالوثِيَّةُ إمتِلاءٍ في حَرَكِيَّةٍ تَنقَسِمُ الى ثُلاثِيَّاتٍ حِسابِيَّةٍ-هَندَسِيَّةٍ لِتَجتَمِعَ في وِحدَةِ خَطٍّ مِنَ البِدايَةِ الى النِهايَةِ، مِنَ الإنطِلاقِ الى البُلوغِ.
هوَذا خَطُّ الأُلوهَةِ. مِنها، بَعلَبَكُّ-لبنانُ. وَلَها. عَنها يَصدُرُ النورُ-النارُ، مَشيئَةً وَنُموَّاً وَدَفعاً.
والأُلوهَةُ كَلبنانَ: لا تَتَغَيَّرُ... وَلا أحَدَ يَهزِمُها، مَهما تَكابَرَ طُغياناً فإستَوحَشَ وَتَرامى ظُلُماً فَتَوَحَّشَ.
قُلّ بَعلَبَكَّ الإلَهِيَّةَ. تَتَجَوهَرُ. وَكَفى!