خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لهذا العام، بسبب الضغوط الناتجة عن الحروب وعدم اليقين الجيوسياسي، إلى جانب تقليص إنتاج النفط. وحسب أحدث تقرير للصندوق صدر بتاريخ 31 أكتوبر 2024، يتوقع أن تبلغ نسبة النمو 2.1% هذا العام، مقارنة بتقديرات سابقة بلغت 2.7% في نيسان و2.2% في تموز الماضي. أما توقعات العام المقبل، فقد تراجعت قليلًا إلى 4%، على الرغم من أنها تشكل ارتفاعًا طفيفًا مقارنة بتوقعات تموز.
وأشار التقرير إلى أن استمرار الحروب الجارية أو توسعها قد يسفر عن "خسائر اقتصادية دائمة"، كما أوضح أن الدول التي تسعى لتنفيذ إصلاحات هيكلية قد تواجه استياءً اجتماعيًّا ومقاومة سياسية تعوق تنفيذ السياسات وتحد من فرص النمو. وبالتوازي، خفض الصندوق أيضًا توقعاته للنمو العالمي إلى 3.2% للعام المقبل، محذرًا من تصاعد مخاطر الحروب والحمائية التجارية، مشيدًا في الوقت ذاته بجهود البنوك المركزية للسيطرة على التضخم دون التسبب بركود اقتصادي.
تأثير على الاقتصاد
في هذا السياق، صرّح الدكتور منير راشد، رئيس "الجمعية الاقتصادية اللبنانية" والخبير السابق في صندوق النقد الدولي، لموقع "النشرة" بأن الاجتماعات الأخيرة للصندوق ركزت على التحديات الاقتصادية العالمية مثل التضخم وضعف النمو. وقال راشد إن الدول النامية تعاني من ارتفاع كبير في تكلفة خدمة الديون، مشيرًا إلى أن خدمة الديون في بعض الدول ارتفعت من 20 مليار دولار إلى 60 مليار دولار، ما يعكس تغيرات جذرية تتطلب معالجات جذرية.
وتطرق راشد إلى الأزمة الاقتصادية في لبنان، موضحًا أن الحرب الراهنة أدت إلى تعطيل ربع الأنشطة الاقتصادية تقريبًا، ما انعكس سلبًا على النمو العام. وأكد أن الصندوق لا يعتزم تنفيذ برنامج دعم اقتصادي للبنان في المدى القريب، نظرًا إلى التعقيدات المرتبطة بالديون اللبنانية؛ حيث بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 500%. واقترح الصندوق سابقًا شطب ودائع المصارف كحل جزئي، إلا أن هذا الخيار يعتبره راشد غير كافٍ لحل الأزمة بل قد يزيدها تعقيدًا.
وأضاف أن المشهد المالي الراهن مزرٍ، مع تراجع الإنتاجية ورأس المال، إلى جانب تضرر القطاع الزراعي، ما يستدعي إعداد موازنة طارئة للعام 2025 تتضمن إصلاحات جذرية للجباية وإعادة هيكلة الإنفاق.
تحديات مع صندوق النقد
رغم الحاجة الماسة للإصلاحات، يواجه لبنان تحديات كبرى أمام إمكانية التوصل إلى برنامج مع صندوق النقد. فقد أشار راشد إلى أن إدراج لبنان في "اللائحة الرمادية" لمجموعة العمل المالي (FATF) يعقد مسار التعاون، لا سيما أن الصندوق لا يبرم عادة اتفاقات مع دول تحت هذا التصنيف. ويرى أن إخراج لبنان من اللائحة يستلزم إجراء إصلاحات فورية تتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، ما قد يكون خطوة إيجابية باتجاه التوصل إلى اتفاق بحلول عام 2026.
كما سلط راشد الضوء على العوامل السياسية الخارجية وتأثيرها على قرارات الصندوق، ولا سيما ما يتعلق بوضع "حزب الله" والتغيرات المحتملة بعد انتهاء الحرب. وأضاف أن الصندوق يدعو لبنان إلى تبني الإصلاحات حتى في حال غياب برنامج دعم محدد، لكنه يعرب عن قلقه حيال عدم تنفيذ أي من تلك الإصلاحات حتى الآن، مشيرًا إلى أن فقدان لبنان للإيرادات الحيوية وزيادة النفقات لإعادة الإعمار من شأنه أن يعيق أي اتفاق محتمل مع الصندوق.
ختامًا، يظل لبنان بحاجة إلى مواجهة أزماته الاقتصادية بإصلاحات هيكلية عميقة وشاملة؛ فالأوضاع المالية الهشة تستدعي خطوات جريئة لإعادة الثقة في الاقتصاد اللبناني وتحقيق استقرار مالي في ظل ظروف إقليمية صعبة.