ليس خافياً على أحد ان الاندفاعة العسكرية الحربية، وتحديداً الاسرائيلية تراجعت في اليومين الماضيين. لا يتعلق الأمر فقط بمستجدات دولية، ولا بالتهديدات الإيرانية لإستهداف اسرائيل.
يقول مصدر مطّلع لـ"النشرة" إن الاسباب عدّة:
أولا، حاولت تل ابيب ممارسة ضغوط عسكرية هائلة على لبنان في حربها ضد "حزب الله"، واعتقدت ان الحزب بعد اغتيال قيادات رئيسية فيه وضرب قواعده ومراكزه وشل حركته، سيُعلن الاستسلام من دون قيد او شرط، ليتبين ان "حزب الله" إستعاد التحكّم والسيطرة في جسمه العسكري والسياسي والإعلامي خلال الايام الماضية.
ثانياً، لا يستطيع أي جيش في العالم الاستمرار في ذات الوتيرة الهجومية والتدميرية، بسبب تكاليفها العالية. وهو ما فعله الجيش الاسرائيلي خلال خمسة اسابيع من الحرب الطاحنة التي شنها ضد "حرب الله"، وضرب كل بنك الأهداف العسكرية والمالية واللوجستية. لتصل تل ابيب الى نتيجة: تدمير واسع في لبنان، لكن صمود مقاتلي الحزب في الميدان. فماذا ستقدّم الاندفاعة الحربية في حال توافرت اكثر للإسرائيليين؟ لا شيئاً اضافياً.
ثالثاً، نجح "حزب الله" في الصمود الميداني، واستطاع مقاتلوه رغم خسائر كبيرة في الأرواح، ان يمنعوا الاسرائيليين من التمركز في قرى حدودية دخلوها، ومن تكبيد الجيش الاسرائيلي خسائر كبيرة أجهضت مشروع الاجتياح الذي حشدت له تل ابيب حوالي سبعين الف جندي، عدا عن استهداف الحزب لمناطق اسرائيلية حيوية: حيفا وصفد وكامل الجليل.
واذا كانت اسرائيل دمّرت انفاق الحزب في القرى الامامية، وفجّرت مخازنه وابعدت مقاتليه عن حدودها، فإن أقصى مسافة وصل إليها الاسرائيليون هي بعمق ١٢٠٠ متر لا اكثر، ثم اضطرّوا للمغادرة بعدها، لمنع وقوع خسائر.
رابعاً، في حال واصلت إسرائيل تدميرها، ماذا ستحقق؟ لا نتائج عسكرية تُذكر. بينما استطاع "حزب الله" استيعاب الصدمة ولم يصل إلى مشارف الانهيار، رغم تقطّع الاتصالات وغياب التنسيق بين مقاتليه، وتشرّد مجموعاته ومسؤوليه. مما يؤكد عدم قدرة الجيش الاسرائيلي على التقدّم بريّاً، كما كان يطمح الى حدود نهر الليطاني.
كل تلك الاسباب تساهم في تقدّم الحلول الدبلوماسية، وسط محاولات أميركية مجدّداً، لفرض تسوية كان تمّ الاتفاق عليها بين رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري والمبعوث الاميركي آموس هوكشتين على اساس تنفيذ القرار الدولي ١٧٠١.
ويختلف الحراك الاميركي الجديد المرتقب قبل نهاية الأسبوع الجاري، عن سابقاته، بسبب تطورات الميدان بشكل اساسي، ويُفترض ان يُنتج حلاً اساسه وقف الحرب، خصوصاً ان الولايات المتحدة ستُنهي خلال ساعات استحقاقها الانتخابي. علماً ان تل ابيب، لها مصلحة بإقفال ملف الحرب مع لبنان، لأن التأخّر سيؤدي إلى خسارتها مكاسب امنية وعسكرية على الحدود اللبنانية، وهي تتهيأ لرد عسكري إيراني ضخم يعيد لطهران وزنها الردعي، ويدخل الإيرانيين المفاوضات مع الاميركيين من باب القوّة، وليس من باب الانكسار الذي حاولوا فرضه عليها بعد استهداف اسرائيل لحلفائها الأساسيين "حزب الله" و حركة "حماس".