منذ اندلاع العدوان على لبنان، غدت الشويفات على مسمع الجميع، إلى جانب مدنٍ وبلداتٍ أخرى. هذه المدينة ذات الموقع التاريخي والجغرافي المميز، أضحت عرضةً لغاراتٍ همجية مدمرة، أصابت مواقع كانت حتى الأمس القريب تتربع على عرش غابات الزيتون في العالم، قبل أن تقتحمها ثورة الإسمنت التي أطلق شرارتها مطار بيروت. غابة الزيتون في الشويفات، كانت فيما مضى، مصدراً مهماً للرزق، اعتمد عليه الأجداد والآباء في معيشتهم، وساهمت في جعل الشويفات مركزًا لتجارةٍ نشطة، حيث جذبت التجار من أقاصي الشمال إلى الجنوب، ومن البحر إلى أعماق الجبل والبقاع، بل وتجاوزت تجارتها حدود الوطن.
عرفت الشويفات ثورة تعليمية نهض بها القسّيس طانيوس سعد، ومن بعده برزت المربيتان إميليا طراد ويمنى مالك اللتان انطلقتا من المدرسة المسكوبية، فأسستا لتعليمٍ حديث، لتصبح الشويفات لاحقًا منارةً للتعليم. منذ القدم، احتضنت الخلوات والكنائس، وكانت في عهد المتصرفية مركزًا شتويًا للمحكمة العثمانية.
وفي لمحة من تاريخها الحديث، تطورت بشكلٍ لافت، حيث باتت تحوي مدارس متعددة، ومصانع، ومعاهد، ومصارف، وأسواقًا تجارية، ومراكز طبية وجامعية، فضلًا عن دُور العبادة التي تحتضن مختلف الطوائف، محققةً بذلك توازنًا بين الأصالة والحداثة.
ويعود اسم "الشويفات" إلى زمن الفتح العربي للبنان، إذ اشتق من جذر "الشوف"، وهي كلمة آرامية معربة، تشير إلى المكان المرتفع أو المطلّ، ويُقال أيضًا "الشيفة" أو "الشوافة"، وهم طليعة القوم الذين كانوا يراقبون من أعالي التلال تحركات القوافل لضمان السلامة العامة، ولذا كَثُرت الخانات في الشويفات على مدى عصورٍ طويلة.
هذا الإرث التاريخي الذي أرسى دعائمه الأمراء الأرسلانيون منذ مئات السنين، وما زالوا، والنسيج اللبناني المتنوع الذي تتسم به الشويفات، لن يمحوه القصف، ولن تطمسه الهجمات الوحشية التي طالت أراضيها. وفي خضم هذه الظروف العصيبة، يجب أن نتوجه بتحية إكبار إلى أهل الشويفات جميعًا، المتكاتفين تحت راية البلدية، والحريصين على استقبال الأخوة النازحين بروح المسؤولية، سواء في البيوت أو مراكز الإيواء، ساعين لتأمين الأمان والراحة لهم، مع الحفاظ على خصوصية المدينة وأهلها.
ولا يمكننا إلا أن نشيد بجهود بلدية الشويفات، بقيادة نضال الجردي، الذي أثبت أنه رئيس استثنائي في هذه الأوقات الحرجة، وأعضاء المجلس البلدي، مع كافة الموظفين، الذين يعملون جاهدين رغم صعوبة الظروف. ولا ننسى التعاون الوثيق بين الأحزاب والجمعيات والهيئات الرسمية، التي تسعى لتوفير متطلبات الحياة للنازحين.
في هذه المناسبة، لا يسعنا إلا أن نتوجه بتحية تقدير واعتزاز لشرطة وحراس بلدية الشويفات، الذين يسهرون بجد وإخلاص على حفظ أمن المدينة وسلامة مواطنيها، بتوجيه مباشر من رئيس البلدية، جنبًا إلى جنب مع كافة الأجهزة الأمنية وفي طليعتها الجيش اللبناني.
في ظل الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان، تأتي هذه الإطلالة لتسليط الضوء على مدينة الشويفات وأهلها الطيبين، أصحاب القيم النبيلة، أهل الفضائل والأخلاق الحميدة، أهل الأمانة والنخوة، المروءة والعطاء، الذين يهبون لنجدة المحتاج وإغاثته، ويشتهرون بالصدق والشجاعة والكرم، بالتسامح والحكمة، وبالتكاتف والتضامن. إنهم أهل حق لا يفرطون بحقوقهم، ويحافظون على كرامتهم وكرامة وطنهم.
وفي هذه الظروف الصعبة، نبتهل إلى الله العلي القدير أن يحفظ مدينتنا الشويفات من كل ضرر، ويصونها من الشدائد والأخطار، وأن يُبعد عن جميع مدن وقرى لبنان هذه الحرب المشؤومة وشرور الفتنة المتنقلة، آمين.