«وحدثت حرب في السماء: ميخائيل وملائكته حارَبُوا التنِّين، وحاربَ التنِّينُ وملائكتُه ولم يقوَوْا، فلم يوجَدْ مكانُهم بعد ذلك في السماء. فطُرِحَ التنِّينُ العظيم، الحيَّةُ القديمة المدعوُّ إبليس والشيطان، الَّذي يُضِلُّ العالم كلَّه، طُرِحَ إلى الأرض، وطُرِحَت معه ملائكته» (رؤيا 12: 7-9).

هذا مشهد من سفر الرؤيا، ولكي تتجلَّى الصورة أكثر، نتوقَّف أمام مشهد آخر في السفر نفسه حيث يعلن سقوط مدينة بابل الَّتي كانت رمزًا للشرِّ والخطيئة (رؤيا 18: 2).

هناك أيقونات غنيَّة جدًّا بتصاويرها، تمثِّل المعركة بين ميخائيل والشيطان وسقوط الأخير ومدينة وبابل. نستعرض في المقالة شرحًا يتناول أيقونة من القرن التاسع عشر.

الملاك ميخائيل بلباس المحارب وعلى رأسه تاج لأنَّه رئيس ملائكة الربِّ، ويمتطي حصانًا مع أجنحة، إشارة إلى أنَّ المعركة إلهيَّة وقوَّة ميخائيل من عند الله، فالربُّ يؤازره في المعركة لأنَّه الملاك، لا بل رئيس ملائكة الربِّ.

نشاهد الملائكة في الأيقونات شابَّة مع الأجنحة الَّتي تشير إلى سرعة التنقُّل، والجسد اللاهيوليِّ، وملامح التأهُّب لخدمة الربِّ بارزة على وجوههم. شعرهم مشدود ومربوط، وهذا الأمر من علامات المُحارب. كما نراهم يحملون بيدهم اليمنى صولجانًا، امتدادًا لسلطة الربِّ والعمل بكلمته، فهُم رسُله. ويوجد أيقونات للملاك ميخائيل يحمل بيده اليسرى كرةً تمثِّل المسكونة جمعاء لأنَّ المسيح أتى للعالم كلِّه من دون أيِّ استثناء. ويعلو الكرة صليب، علامة للانتصار الَّذي حقَّقه يسوع على الصليب، فالربُّ هو الغالب، ومن على الصليب انتصر على الموت والشرِّير. ويوجد داخل الكرة أحرف يونانيَّة ثلاثة AXK وهي مختصر لرئيس ملائكة الربِّ.

بالعودة إلى الموضوع المعالج، نرى الملاك يبوِّق نشيد الظفر معلنًا انتصار المسيح، ويحمل بيده اليسرى الإنجيل، أي البشارة السارَّة، وفي يده اليمنى رمحًا على رأسه صليب قاهر الأبالسة كما ننشد في قانون الصليب الكريم والمحيي: «صليبكَ يظهر للعالم، نورَ الإيمان فنسجدُ بإجلال»، كما يحمل باليد نفسها مبخرة، إشارة إلى رائحة البخور الزكيَّة المفعمة بصلوات القدِّيسين، تمامًا كما يخبرنا سفر الرؤيا: «ولمَّا أخذ السِفرَ خرَّت الأربعةُ الحيوانات والأربعة والعشرون شيخًا أمام الخروف، وبيد كلِّ واحد منهم قيثارات وجامات من ذهب مملوءة بخورًا هي صلوات القدِّيسين» (رؤيا 5: 8).

وجود قوس القزح في هذا المشهد هو علامة العهد الجديد كما حصل مع نوح قديمًا: «وضعتُ قوسِي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض» (تكوين 9: 13).

وجه الملاك ميخائيل يطغى عليه اللون الأحمر تعبيرًا عن قوَّة المعركة، ورداؤه أحمر اللون أيضًا لأنَّ ميخائيل قائد محارب ويلفُّه المجد الإلهيُّ. كذلك الحصان لونه أحمر وله جناحان. هذا كلُّه يعبِّر عن القوَّة الإلهيَّة الغالبة والمنتصرة.

نلاحظ في أعلى الأيقونة، وتحديدًا في زاويتها اليسرى، الربَّ يسوع المسيح يبارك، وأمامه منضدة أو مذبح عليه الإنجيلُ والصليب. كيف لا، فثلاثتهم لا ينفصلون عن بعضهم، لأنَّ الإنجيل هو كلمة الحياة والصليب محيي ويسوع هو الحياة. ولا ننسَ أنَّ القدِّيسين غلبوا الشرِّير بجهادهم واتِّحادهم بالربِّ كما تقول الآية: «وهم غلَبُوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم، ولم يُحبُّوا حياتهم حتَّى الموت» (رؤيا 12: 11).

حولهم جميعًا يوجد غمام، إشارة إلى الحضور الإلهيِّ كما حصل مع موسى النبيِّ عندما تسلَّم الوصايا العشر على قمَّة الجبل: «وأمَّا موسى فاقترب إلى الضباب حيث كان الله» (خروج 20: 21)، كذلك كما كان يحصل مع موسى عندما كان ينزل الله ويجتمع معه في خيمة الاجتماع: «وكان عمود السحاب إذا دخل موسى الخيمة، ينزل ويقف عند باب الخيمة. ويتكلَّم الربُّ مع موسى» (خروج 33: 9). كذلك عندما صعد إيليَّا النبيُّ في العاصفة إلى السماء على مركبة ناريَّة تجرُّها أحصنة. ونقرأ في العهد الجديد عن الضباب في التجلِّي: «فيما هو يتكلَّم إذا سحابة نيِّرة ظلَّلتهم، وصوت من السحابة قائلًا: هذا هو ابني الحبيب الَّذي به سُررتُ. له اسمعوا» (متَّى 17: 5).

كذلك نلاحظ وجود غمام يحيط بقدم الملاك ميخائيل ليحميه من النيران، إشارة إلى أنَّ غلبته هي من الربِّ. فيسوع هو المنتصر دائمًا كما تعبِّر عنه الأحرف اليونانيَّة الأربعة الَّتي نشاهدها في الفنِّ الكنسيِّ NIKA وهي مشتقَّة من فعل الانتصار. فمهما اشتدَّت علينا الصعاب فنحن غالبون بقوَّة المسيح، ألم يقل لنا الربُّ: «قد كلَّمتُكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلامٌ. في العالم سيكون لكم ضيقٌ، ولكنْ ثِقُوا: أنا قد غلبتُ العالم» (يوحنَّا 16: 33).

نشاهد تحت أقدام الحصان الشيطان مهزومًا لأن لا قوَّة له أمام الربِّ، لذا نراه في بحيرة الكبريت ذات المياه الحارقة، ولونه أسود قاتم، إشارة إلى انعدام النور الإلهيِّ. يذكِّرنا هذا بوجه يهوذا الَّذي خان يسوع في أيقونة العشاء السرِّيِّ. فكلُّ مَن ينفصل عن النور مكانُه الظلمة الهالكة لا محالة. ويوجد في بطن الشيطان وجه يفتح فاه لأنَّه يريد أن يبتلع كلَّ شيء. الخطيئة لا تعرف الشبع ولا تعطي صاحبها الشبع، ونهايتها في جهنَّم.

كذلك مدينة بابل الَّتي كانت غارقة في الخطيئة. فليس من مجد مُعْوَجٍّ يبقى، تمامًا كما ذكر إشعياء النبيُّ: «أُهبِطَ إلى الهاوية فَخْرُكَ، رَنَّةُ أَعوادِك. تحتَكَ تُفرَشُ الرِمَّةُ، وغِطاؤُكَ الدُودُ» (إشعياء 14: 11).

خلفيَّة الأيقونة نورانيَّة لأنَّ النور الإلهيَّ بدَّد الظلمة الشيطانيَّة وقَتام الخطيئة.

في الخلاصة، نتأمَّل في الآية التالية: «وطُرِحَ الموت والهاوية في بُحَيرة النار. هذا هو الموت الثاني» (رؤيا 20: 14).

لاحظوا أنَّ الموت هو الذي انهزم وخسر أمام حياة الربِّ الأبديَّة والمخلِّصة، لأنَّ الانفصال عنه هو الموت الحقيقيُّ الأبديُّ بعد موتنا الأوَّل الَّذي هو رقادنا. فالمجد لك يا ربُّ حقًّا أنت هو: «الطريق والحقُّ والحياة» (يوحنَّا 14: 6).

إلى الربِّ نطلب.

​​​​​​​​​​​​​​

​​​​​​​