هل الظُلمُ يَنكَتِبُ تاريخَ البَشَرِيَّةِ؟ لأجلِ ألَّا يَكونَ الجَوابُ إيجاباً أو مُغالاةَ إيجابٍ، كانَ لبنانُ. وَتَرامى إسهابَ فِكرَةٍ. لِنُسارِعَ بالتَوضيحِ أنَّهُ لَيسَ نَظرَةً آلِيَّةً، وَما تَورَّطِ في هَكذا إعتِبارٍ. وإذ شاءَ أن يَرتَبِطَ بالإنسانِ، مُظهِراً أنَّه الأقدَرُ على تَطَوِّرِ الحَياةِ لأنَّهُ لَها شاءَتهُ الأُلوهَةُ، إندَفَعَ الى الأمامِ.
لِمَن حَولَهُ، أمصاراً وَشُعوباً، أقطاراً وإمبراطورِيَّاتاً، قادَةً أنصافَ آلِهَةٍ وَمُتَسَيِّدينَ بإسمِ الأديانِ وَعَنها، إختِلافاتٌ كَيفِيَّةٌ قادَت الى إفناءاتٍ مُتوازِيَةٍ أو مُتبادِلَةٍ. هو آمَنَ بالمَشيئاتِ المُندَفِعَةِ تَلاقِياً... مِنَ الداخِلِ.
قُوَّتُهُ أنَّهُ فِكرَةٌ بِمَنزِلَةِ جَوهَرٍ، وَجَوهَرٌ لِمَنزِلَةِ فِكرَةٍ... نَفساً لِلروحِ.
أجَل! رَفَعَ لبنانُ الوجودَ القائِمَ على أساسٍ وَضعِيٍّ لا على التَصنيفِ بَينَ الأنا والأعداءِ، وَلا على التَجزِئَةِ بَينَ الأنا والخاضِعينَ لَها. هو الإمتِدادُ إذ الفِكرَةُ لا تَخضَعُ لِتَجزِئَةٍ وَلا تُخضَعُ بالجَبرِيَّةِ... وَلا يُنتَصَرُ عَلَيها. قُلّ: الفِكرَةُ لا تُهزَمُ، وَلا تَفنى.
أجَل! لبنانُ مِن ذاكَ البَدءِ الذي فيهِ مِنَ الأُلوهَةِ، لَيسَ إحتِمالاً بَينَ إحتِمالِيَّاتٍ بَل ضَرورَةَ الضَرورِيَّاتِ، حينَ كُلُّ ما وَمَن حَولَهُ تَمَدُّدُ اللاوَعي بَينَ الظُلمِ والظَلامِيَّاتِ، بإسمِ غُلوِّ الإستِفرادِ وَمُغالاةِ التَفَرُّدِ. وَكِلاهُما حَيِّزُ الفَنَاءِ، بَينَ الأهواءِ والجَبرِ. بَينَ حُروبِ العَرقِ-بادَةِ (التَطهيراتِ العِرقِيَّةِ والإباداتِ الجَماعِيَّةِ)، وَمُجابَهاتِ الحَضا/بَرابِرَةِ (الحَضارَةِ بِوَجهِ البَرابِرَةِ). لِكُلٍّ مِنها رُعبُها وَ...مُقَدَّساتُها. إستِعمارِيَّاتُها المُتَعَولِمَةِ وَفُجورِيَّاتُها الهَمَجِيَّةِ.
لبنانُ فِكرَةٌ. عَولَمَةُ التأثيرِ والأثَرِ. البُرهانُ المَدموغُ، مِنَ الجُذورِ الى الأرومَةِ فالأغصانِ الوارِفَةِ. بِوَجهِ حُروبِ الرَدَّةِ والهولوكوستاتِ، والإنكاراتِ المُرَوِّعَةِ بِشِعارِ: "منتَصِرونَ أبَداً".
لبنانُ فِكرَةٌ. بالعَقلِ تَبَرعُمُها، لا بالدِمِّ تارَةً بِحُجَجِ "أرضٍ بِلا شَعبٍ لِشَعبٍ بِلا أرضٍ"، وأطواراً بِوجوبِ الطاعَةِ لِمُصادَراتِ الأُلوهَةِ بإدِّعاءِ الحَصيلَةِ الجامِعَةِ لِلأديانِ والإيمانِ. بَينَ مُعاداةِ المُنحَرِفينَ وَتَجريمِ تَجاوزِ الحُرُماتِ.
عَبقَرِيَّةُ التَذَهُّنِ
لا! لَيسَ لبنانُ فِكرَةً عارِضَةً وَسيطَةَ أُخرَياتٍ عالِقاتٍ بَينَ السَماءِ والأرضِ. بَل الفِكرةُ المَغروسَةُ لِلنَفسِ البَشَرِيَّةِ مُذ أَتَتِ الحَياةُ وَلِأجلِها. كَحَقيقَةِ الأُلوهَةِ... روحاً لِلنَفسِ.
أجَل! لبنانُ الفِكرَةُ عَبقَرِيَّةُ التَذَهُّنِ في ما هو إبتِكارُ الثَباتِ.
لبنانُ-الفِكرَةُ ما إنحازَت الى هذا المُجَرِّمَ شَعباً، حينَ لِأجلِ التَحَرُّرِ إستَنزَلَ نَبِيٌّ "كَليمَ اللهِ" عُقوباتٍ مُرعِبَةٍ ضِدَّ المَصرِيِّينَ لِصالِحِ قَبيلَةٍ مِن 40 ألفَ عِبرانِيٍّ إستَعلى ليُنقِذَهُمِ... مِن بَراثِنَ فَراعِنَةٍ وَلَيسَ مِن عُبودِيَّةِ الشَعبِ المُستَعبَدِ أصلاً مِن فَراعِنَتِهِ المُتألِّهينَ.
لبنانُ-الفِكرَةُ ما مالَقَت مُراوَغَةَ ذاكَ لِإلغاءِ هذا، حينَ لِأثَرِ هَجرَةِ نَبِيٍّ "رَسولَ اللهِ" إلى المَدينَةِ العامَ 622 ميلادِيَّةِ، طَرَدَ مِنها قَبيلَتَي بَني قَينَقاعَ العامَ 624 وَبَني النَضيرَ العامَ 625، وأعدَمَ ذُكورَ قَبيلَةَ بَني قُريَظَةَ العامَ 627، بِحُجَّةِ فَرضِ الدينِ الجَديدِ... لِأنَّ تِلكَ القَبائِلَ العِبرانِيَّةَ-اليَهودِيَّةَ كانَت بِيَدِها الزِراعَةَ والصِناعَةَ الحِرَفِيَّةَ والتِجارَةَ في المَدينَةِ. فَتَوَقَّفَ موسى على أن يَكونَ مَرجَعِيَّةً لِلإسلامِ، وإستُبدِلَ بإبراهيمَ وإبنِهِ إسماعيلَ، وَتَكَرَّسَ الفِراقُ الإيديو-سياسيُّ تَبادُلاً بأوصافَ تَلمودِيَّةٍ وإستِنزالِ الحُرمِ بإسمِ إستِملاكِ الحَقيقَةِ المُطلَقَةِ، بِقَبَلِيَّاتِ الإنغِلاقاتِ التي ما وَفَّرَتِ المَسيحِيَّةَ.
هَلِ الظُلمُ يَنكَتِبُ تاريخَ البَشَرِيَّةِ؟ لِأجلِ ألَّا يَكونَ الجَوابُ إيجاباً أو مُغالاةَ إيجابٍ، كانَ لبنانُ الفِكرَةُ hodós الطَريقَ، على ما وَصَفَهُ الرومانُ حينَ وَضَعوا خَريطَةَ إمبراطورِيَّتِهِمِ المُمتَدَّةِ مِن جُزُرِ بريطانيا الى الهِندِ تَحتَ عُنوانِ itineraria adnotata لِقياسِ العالَمِ: لبنانُ الفِكرَةُ بَعثٌ دينامِيٌّ. الخَلاصُ مِن مَحاكِمَ تَفتيشِ الدياناتِ الإبراهيمِيَّةِ في تَسابُقِ كُلٍّ مِنها على تَلاغي خَصمَيها.