أعرب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عن أمله في أن "تنسحب الدّيمقراطيّة الأميركيّة على واقعنا اللّبناني، وننتخب رئيس جمهوريّتنا"، مشيرًا إلى أنّ "الرّئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترامب قد يكون أفضل من غيره، فهو يُنفّذ ما يقوله. نرى أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض سينعكس إيجابًا على بلدنا، وما يعزّز هذا المؤشّر هو وجود لبنانيّين ضمن فريق عمله، ونتمنّى توظيف هذه العلاقات من أجل مصلحة لبنان فقط ولا شيء سوى لبنان". وركّز على أنّه "أمّا رئاسيًّا، فلا ننسى أنّ الولايات المتّحدة هي الدّولة الأكثر نفوذًا في العالم، لذلك قد يُسرّع انتخاب ترامب إنهاء الشّغور الرئاسي عندنا، لأنّه وعد بحلول للمنطقة والعالم".
وأوضح، في حديث لصحيفة "نداء الوطن"، تعليقًا على من يتوقع احتدامًا في المنطقة، نتيجة تشدّد ترامب حيال إيران، "أنّنا لا ندخل في سياسة المحاور بل نريد وطناً مستقلّاً، ذات سيادة، متحرّراً من أي جيوش غريبة أو دول خارجية تحكمه. لذلك إذا أعلن ترامب أنّه سيحرّر لبنان من النفوذ الإيراني، فنأمل خيراً لأننا شَبِعنا من الوصايات، وآن الأوان لكي نعيش استقلالنا".
وعمّا إذا كان سيجري زيارة إلى واشنطن، لفت البطريرك الراعي إلى أنّ "سلوك الديمقراطيين مع الكنيسة لم يكن جيّداً، فالسفيرة الأميركية الحالية ليزا جونسون وعدتنا بالمساعدة في ما يتعلّق بالقرى الحدودية، من أجل الحفاظ على ما تبقّى من أهلها الصامدين تحت القصف والنار، لكنها غابت ولم تعد. أمّا مع إدارة ترامب، فنرجو أن تتحسن العلاقة من أجل خير لبنان وشعبه".
وشدّد على أنّ "من جهة ثانية، لا أريد زيارة واشنطن لالتقاط الصور فقط، المهم أن تكون زيارة مثمرة نطرح فيها القضية اللبنانية، وإمكان مساعدتنا على تحقيق استقلالنا الفعلي وقيام دولة قوية في لبنان. وفي هذا السياق، لننتظر المساعي، خصوصاً من بعض اللبنانيين الفاعلين في إدارة الرئيس ترامب، ونبني على الشيء مقتضاه".
كما وجّه تحية "إكبار وإجلال للجيش اللبناني ولأهالي الشهداء، فالجيش قيادة وضباطاً وعناصر يقومون بدورهم على أكمل وجه، وكل لبنان مع الجيش فهو خشبة الخلاص كقوة شرعية وحدها تحمي السيادة"، مؤكّدًا "أنّنا مع انتخاب رئيس جمهورية اليوم قبل الغد، فعند انتخاب الرئيس تحلّ أزمة قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، وكل المراكز المهمة الشاغرة". وتساءل: "هل سيتركون البلاد حتّى كانون الثاني بلا رئيس؟ هذه جريمة في حقّ البلد، لا سيّما وأن الحرب لا ترحم".
وبيّن الرّاعي أنّه "إذا استمرّ المعطلون في تعطيلهم، فعندها لن نترك قيادة الجيش تلاقي مصير رئاسة الجمهورية، وعندها يتكرر سيناريو العام الماضي، عندما مدّد مجلس النواب لقائد الجيش، مؤكّدين أننا نرفض العبث بالمؤسسة الكبرى التي تشكل حجر زاوية في بناء لبنان الجديد"، جازمًا أنّ "الفراغ قاتل، واتخاذ قرار تعيين من حكومة تصريف أعمال في ظل غياب رئيس الجمهورية، هو تعدٍ على صلاحيات الرئيس ولن نقبل به، لذلك تبقى أولوياتنا انتخاب رئيس".
وعمّا إذا كان هناك من ضمانات لمسيحيي القرى الحدودية في الحفاظ على وجودهم، في ظلّ الحديث عن سيناريو إسرائيلي بإنشاء منطقة عازلة عند الحدود الجنوبية، كشف أنّه "ليس من ضمانات إذا استمرّت الحرب بين إسرائيل و"حزب الله". ولا يمكن القبول بقيام منطقة عازلة ووجود مدنيّين مسيحيّين وغير مسيحيّين مقيمين فيها بسلام. في هذا الإطار، تجاهد الكنيسة من أجل تأمين كلّ مقوّمات الصمود لأهلنا في القرى المسيحية الحدودية، الرازحين تحت نير الحروب والويلات".
وذكر أنّهم "في قلبنا وصلواتنا، وفي صلب اهتمامنا، وقد سَعينا مع سفراء الدول المعنية للضغط على إسرائيل لتجنّب استهداف المدنيين العزّل، لكن يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لا يريد وقف الحرب قبل تأمين عودة سكّان الشمال إلى مستوطناتهم. في المقابل يستمرّ "حزب الله" في خوض هذه المعركة المدمّرة، فيما الخاسر الأكبر حتى الآن هو لبنان واللبنانيون".
وحول ما إذا كان "لبنان الكبير" في خطر اليوم، اعتبر الرّاعي أنّ "لبنان الكبير" هو لبنان بكامل أراضيه المنصوص عليها في المادّة الأولى من الدستور، التي استردّها البطريرك الرّاحل الياس الحويّك بحسب خريطة 1860، بعدما سلختها السلطة العثمانيّة، لا زيادةً ولا نقصاناً. لست أرى خطراً اليوم عليه، طالما يتمسّك جميع اللبنانيين بوحدتهم في إطار لبنان الكبير".
وعمّا إذا كان مطلب "الحياد الإيجابي" مستحيلًا، أم هناك أمل أكبر بتحقيقه، شرح أنّ "الحياد الإيجابي هو من صميم النظام السياسي في لبنان كوطن التعدديّة الثقافيّة والدينيّة، وأرض الحوار والانفتاح على جميع الدول. كلّ البيانات الوزاريّة من عهد رئيس الحكومة الرّاحل رياض الصلح حتى رئيس الحكومة السابق حسان دياب، كانت تتكلّم عن الحياد والتحييد والنأي بالنفس في السياسة الخارجيّة". ورأى أنّ "الحياد يبقى الخيار الوحيد للسلام في لبنان، ولحماية بلد الحوار والتلاقي وصاحب الدور السلامي في بيئته العربيّة، من دون أن يتخلّى عن تبنّي القضايا العربية المحقّة، وفي طليعتها القضية الفلسطينية".
وأضاف: "نصلّي إلى الله كي يتدخّل ويوقف الحرب، ويقيم السلام العادل والشامل، على أسس القرارات الدولية، وأبرزها قرار حلّ الدولتين"، مشيرًا إلى أنّ "حزب الله يجب أن يستخلص العِبَر من هذه الحرب المدمّرة التي هجّرت فيها إسرائيل مليوناً ونصف مليون لبنانيّ، وقتلت الآلاف من الأبرياء وعشرات الألوف من الجرحى. وما زالت هذه الوتيرة تتواصل كلّ يوم، وسط صمت عربي ودولي، فيما يدفع لبنان تكراراً ثمن الصراع مع إسرائيل".
وركّز الرّاعي على أنّ "بالعودة إلى اتفاق الطائف، سيادة لبنان تقتضي حصر السلاح بيد الجيش اللبناني، وبالتالي يجب تقوية الجيش ودعمه، فهو حامي السيادة وسلامة الأراضي اللبنانية". وعمّا إذا كان تنفيذ القرار 1701 يمكن أن يحصل من دون تنفيذ مواز للقرارين 1559و 1680؟، أجاب: "الكلام اليوم محصور بتنفيذ القرار 1701".
وعن موقفه ممّن يقول إن "الشيعية السياسية" حولت لبنان دولة فاشلة، وفي عهدها خسر المواطنون ودائعهم، وتعطلت كل مؤسسات الدولة خصوصاً رئاسة الجمهورية والحكومة وغيرها من وظائف الفئة الأولى، قال: "لا تُحمَّل الشيعيّة السياسيّة وحدها كلّ هذه الأمور، بل الفساد العام والحكومات المتتالية، والفراغ الرئاسي الحالي وذاك الذي سبق عهد الرئيس السابق ميشال عون، وسوء الإدارة وأسباب أخرى كثيرة".
وعمّا إذا كان يتخوف من أن تندرج مأساة النزوح من القرى الشيعية، ضمن مخطط يهدف إلى تفجير الصيغة اللبنانية عبر تهجير الشيعة من قراهم، لا سيما في الجنوب، شدّد على أنّه "لا يقبل أي لبناني ولا أي فئة بتهجير أي مكوّن شريك في الوطن. أتخوّف بالأحرى، إذا استمرّت الحرب مع المزيد من الهدم والنزوح، من مشاكل بين المواطنين"، داعيًا إلى "التروي ورصّ الصفوف، والمحافظة على الوحدة الداخليّة وعلى العيش المشترك الذي يميّز لبنان". ولفت إلى أنّ "في كل حال، نحن ما زلنا نعيش -كما يُفترض- في ظل دولة قانون ونظام تحفظه الأجهزة القضائية والأمنية ، لتي عليها القيام بمسؤولياتها من أجل صون الحقوق والأمن الداخلي والتصدّي لأي فتنة. وإننا نشدد على التزام جميع القوى السياسية بهذه الثوابت".
وعمّا إذا كانت قد طويت الصّفحة، مع شخصيات حضرت القمة الروحية في بكركي، وكان قد توجهت إليه سابقاً بعبارات غير مألوفة بين رؤساء العائلات الروحية في لبنان، أفاد البطريرك الماروني بأنّ "الصفحة قد طُويت منذ يوم التجنّي. في المقابل، تناول بيان القمّة أموراً كثيرة وحساسة للغاية، وتبقى لها قيمتها لأنّها أتت فوق الخلافات الصغيرة. ونحن نعمل حاليّاً مع الإخوة رؤساء الطوائف على متابعة توصيات القمة".
من جهة ثانية، وردًّا على أصوات شريحة من المسيحيين الّتي لم تعُد تؤمن بالصيغة الحالية وتُطالب بالفدرالية كحلّ للمعضلة اللبنانية، وذهاب بعضهم إلى حدّ المطالبة بتصحيح ما يعتبرونه خطيئة "لبنان الكبير"، أعلن "أنّنا مع اللامركزيّة أوّلاً التي أقرّها اتفاق الطائف. ثمّ أي "صيغة حاليّة" يقصدون؟ هل صيغة العيش المشترك التي هي ميزة لبنان، والتي تدافع عنها الكنيسة؟ إنهم يخالفون الدستور ويشتكون على الصيغة. حافظوا على الدستور فتسلم الصيغة".
وفسّر أنّ "لبنان الكبير كما أراده البطريرك الحويك، قائم على عنصرين: الأوّل، استعادة المناطق الأصلية التي سلخت عنه، لكي تتوفّر له سبل العيش ووسائله. والثاني، مبدأ الانتماء إلى لبنان عبر المواطنة، لا عبر الانتماء الدينيّ، ما يعني عدم تعداد سكّانه على أسس طائفية، وفصل الدين عن الدولة، كما هي الحال رسميّاً في لبنان؛ وفق الدستور".
وعمّا إذا كان يتخوّف من "ذوبان ديموغرافي" مسيحي دراماتيكي في المدى المنظور، أكّد الرّاعي أنّ "الهجرة كثيفة لدى المسيحيّين كما لدى المسلمين. المهمّ أن يحافظ الجميع على ممتلكاتهم في لبنان وعدم التسرّع في بيعها، وإلّا سيندمون. وعليهم أن يسجّلوا وقوعات نفوسهم في الخارج، أي الولادات والزيجات والوفيات لدى البعثات القنصليّة والسفراء، للحفاظ على قيودهم الشخصية في سجلات النفوس ولوائح الشطب".
وحول ما إذا كانت لدى بكركي استراتيجية أو خطّة للحدّ من الهجرة، أوضح أنّ "الكنيسة تحافظ على مؤسّساتها لكي توفّر فرص عمل لأكبر عدد ممكن. والأوقاف مفتوحة لكل من لديهم مشاريع زراعيّة وسكنيّة وسياحيّة واقتصاديّة، وهذه توفّر فرص عمل ووسائل عيش. لكنّ الحلّ الجذري والشامل هو لدى الدولة في مشاريعها الإنمائيّة والاقتصادية والتجاريّة والماليّة، ولا أحد يستطيع أن يحلّ محلّ الدولة".
وعمّا إذا كانت لدى الكنيسة خطة لاسترداد الكثير من الأملاك التابعة للكنيسة والرهبانيات، و"المحتلة بحكم الأمر الواقع، ولا سيما في الجنوب والضاحية الجنوبية وقضاء جبيل"، اعتبر أنّ "الوسيلة الوحيدة لاستردادها هي القانون والقضاء وخاصة القضاء العقاري، وإبراز المستندات الثبوتية".
أمّا عن لبنان بعد نهاية هذه الحرب، فأعرب الرّاعي عن أمله في أن "ينعم لبنان بالسيادة على كامل أراضيه بجيشه وقواه الأمنيّة، وبسلطته السياسيّة الواحدة، وبقراره السياسيّ الواحد، الذي يعبّر عن إرادة جميع اللبنانيين المخلصين لوطنهم والموالين له وحده، بروح الدستور والميثاق الوطني، وأن ينعم بحياده الإيجابيّ الناشط، لأن حياده هو ضمانة لازدهاره ولعيش أبنائه بسلام وأمان؛ ولاستعادة دوره في العالمين العربي والدولي".