حتى هذه اللحظة لم تعرف بعد الغاية الحقيقية من سرعة انتشار اجواء قرب التوصل الى تسوية او وقف لاطلاق النار او وقف الاعمال العسكرية او غيرها من المسمّيات التي تضع حداً للجرائم والوحشية المرتكبة بحق لبنان، وبحق الفلسطينيين في غزة. طبعاً جميع اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم الدينية والسياسية تواقون لسماع الاخبار الجيّدة التي تضع حداً للعنف المتمادي، ولكن الواقع يفرض ايضاً عدم التعاطي بخفّة مع المعطيات، بل مقاربتها بواقعية وموضوعيّة، وهذا ما فعله رئيس الحزب الاشتراكي السابق وليد جنبلاط.

حين يصدر عن جنبلاط كلام سياسي ورؤية سياسية معيّنة، تكون جديرة بالتوقف عندها وتقييمها، وحين يصدر عنه موقف باستبعاده وقف اطلاق النار قريباً وتوقّعه اطالة امد الحرب، فهو لا يتحدث على غرار "المنجمين والبصّارين" الذين نقلوا عدواهم الى بعض "الخبراء والمحلّلين" الذين تغص بهم شاشات التلفزة من مدنيين وعسكريين سابقين ويأخذون المشاهد تارة الى النعيم وتارة اخرى الى الجحيم، غير عابئين بمشاعر وحساسية الامور بالنسبة الى الناس. لذلك، حين يستبعد جنبلاط قرب الحل، فإنما يقول ذلك بناء على قراءته للواقع المحيط بالبلد، والظروف الاقليمية والدولية المتسارعة التي ترخي بظلالها على القرارات المصيرية التي يتخذها المسؤولون المعنيون في مختلف قارات الكرة الارضية.

في الواقع، وعلى الرغم من كل ما يقال عن الوضع الميداني (من المتحمسين لحزب الله الذين يولونه ثقتهم العمياء، ومن المناوئين لخطه السياسي الذين يرون انه انهزم)، فإن هذا الامر لا يزال يحظى باولوية بالنسبة الى الحزب واسرائيل على حد سواء، لانه يحمل: اما النصر الكامل والشامل لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، او يعيد شحن طاقة حزب الله وقدراته وترميم صورته التي تزعزعت بفعل الضربات الاستخباراتية وعمليات الاغتيال التي طالت هيكليته، لذلك نرى ان اسرائيل وعلى الرغم من كل الخسائر التي تتكبّدها على جبهة لبنان الجنوبية، لا تزال مصرّة على القيام بعملية برية على عمق محدد يصل الى شمال الليطاني، وهذا ما تجسد بشكل ملموس من خلال موافقة رئيس الاركان على توسيع العملية البرية في لبنان، في خضم التفاؤل الذي كان سائداً عن قرب الوصول الى اتفاق لوقف اطلاق النار يتم العمل عليه.

ان استكمال العملية البرية وسط كل التحديات التي تفرضها، ووسط الكلام عن ان الادارة الاميركية الحالية (اي ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن) على علم بها وربما وافقت عليها، دليل على ان كلام الليل يمحوه النهار. فهذه الادارة نفسها كانت تشدد وتصرّ على ان تكون اي عملية برية في لبنان محدودة ولا تلحظ عمليات غزة، فيما اليوم باتت هذه الادارة على صورة الرئيس جو بايدن الذي يتعرض للحظات ينسى فيها ما يقوله او ما قاله سابقاً. واذا ما حصلت هذه العملية، فستعطي فكرة كافية وشاملة عما ينتظرنا، فإذا حققت اسرائيل هدفها سيتم تسريع خطى الحل، اما في حال العكس فمن الممكن ان تطلب فترة سماح اضافية وعندها تتوقف الامور عند رغبة الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب في منح هذا التمديد ام لا، وهو يملك بالتأكيد كل ما يلزم لتنفيذ اي قرار يصدره، ولا صحة انه يمكن لنتنياهو تخطي ما يقوله الرئيس الاميركي (ولكان الوضع مماثلاً لو فازت المرشحة كامالا هاريس)، لان الوافد الجديد الى البيت الابيض يرغب في فرض قوته على الساحة واخافة البقية، وافهامهم انه يملك مفاتيح التحكم بأوضاع دول العالم.

ليس في الامر نظرة تشاؤمية، بل نظرة واقعية الى الامور، لانه من غير المسموح بث فائض من التفاؤل او حتى التشاؤم في نفوس الناس، ما لم يكن المرء متأكداً من كلامه، فهل الوضع الحالي يسمح بالتأكد من اي شيء في ظلّ وجود نتنياهو في السلطة، وعدم تسلم ترامب مهامه بشكل رسمي؟.