على وقع التّصعيد الميداني والمعلومات المتضاربة بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، أشارت صحيفة "الجمهوريّة"، إلى أنّ "المشهد اللبناني منضبط على ثلاثة اتجاهات: الاول، أملٌ يبديه الاميركيون في احتمال بلوغ تسوية قريبة على جبهة لبنان. الثاني، ترقّب شامل المستوى الرسمي والسياسي في لبنان، لما يُحكى عن اتصالات وحراكات خارجية لإنضاج تسوية سياسية، مع ميل واضح إلى التشاؤم. اما الثالث، فيتبدّى في تصعيد كبير تدفع اليه إسرائيل، يضع الميدان العسكري امام احتمالات خطيرة".

إدارة من بُعد!

ولفتت إلى أنّ "على مستوى الحراكات، لا شيء واضحاً حتى الآن في الميدان السياسي، والصورة رسمها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بتأكيده ثبات الموقف اللبناني على التمسّك بالقرار 1701 وتنفيذه بكل مندرجاته بلا زيادة او نقصان، وعدم تلقّي أيّ مقترحات حلول بصورة رسمية من أيّ مصدر خارجي، أميركي او غير أميركي، ليُبنى على الشيء مقتضاه".

وركّزت مصادر بري لـ"الجمهورية"، على أنّ "التسريبات التي يجري ضخّها في الإعلام، وخصوصاً من قِبل الإسرائيليين، لا يعتبر لبنان نفسه معنياً بها، باعتبارها غير صالحة للنقاش أساساً، وليست من النوع الذي يفتح الأفق المسدود؛ ويفضي إلى تسويات ووقف لإطلاق النار وفق منطوق القرار 1701".

بدورها، أكّدت مصادر رسمية لـ"الجمهورية"، أنّ "الأجواء الواردة من الولايات المتحدة الاميركية، لا تشي باقتراب المسؤولين الأميركيين المعنيين بحراكات واتصالات التسوية من سقف التفاؤل الجدّي حيال تسوية قريبة، ما خلا تمنيات أبداها الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين باستغلال الأطراف فرصة اعتبرها مؤاتية الآن، لبلوغ تسوية سياسية بين إسرائيل و"حزب الله"، تفضي إلى تهدئة الجبهة الحدودية وإعادة السكان إلى بيوتهم على جانبي الحدود".

وأوضحت أنّ "تبعاً للأجواء الاميركية، أنّه على الرغم من قول هوكشتاين، الذي عقد في واشنطن اجتماعاً مفصّلاً مع وزير الشؤون الاستراتيجية في اسرائيل رون ديرمر، بأنّه مفعم بالأمل، يمارس تكتماً شديداً على مواضيع البحث، وهو إذ أوحى بأنّه يتعيّن الذهاب إلى اللبنانيين، لم يعيّن موعداً محدداً لزيارته بيروت، تاركاً هذه الزيارة احتمالاً قائماً، ربما إلى ما بعد اكتمال ملف التسوية الذي يعدّه؛ وخصوصاً انّه لم يشر من قريب او بعيد إلى امتلاكه ما يمكّنه من إحداث خرق إيجابي".

واعتبرت المصادر عينها أنّ "ما ينبغي التوقف عنده في موازاة ذلك، هو تأكيد كبار المسؤولين الأميركيّين على التعجيل بالتسوية على جبهة لبنان. وتبعاً لهذا الاستعجال، فإنّ بعض الأوساط الأميركية المواكبة لمهمّة هوكشتاين، تشدّد على أنّ الوساطة الاميركية تعتبر انّ الوقت بات ضاغطاً والتسوية تستوجب أن تسبق الوقت، وتجزم بتواصل وشيك بين هوكشتاين والمسؤولين في لبنان، وليس بالضرورة عبر زيارة مادية، بل يمكنه (أي هوكشتاين) أن يدير الأمر من بُعد".

الـ1701 هو السقف

في السّياق، شدّد مصدر سياسي مواكب لحركة الاتصالات لـ"الجمهورية"، على أنّ "ما تحاول أن تسوّقه اسرائيل من تسريبات وشروط حول التسوية، لا يشكّل الحدّ الادنى الذي يمكن ان يوافق عليه لبنان. حيث انّها تعكس بوضوح أنّ اسرائيل ذاهبة بشروطها إلى الغاء القرار 1701 وخلق معادلة جديدة وواقع جديد في لبنان، تكون فيه اسرائيل جزءّاً من آلية الرقابة والتنفيذ للقرار الأممي، وهذا معناه إخضاع لبنان على نحو أسوأ من اتفاق 17 ايار".

ولفت إلى أنّ "موقف لبنان نهائي لجهة وقف اطلاق النار، وحل يقوم على التطبيق الكامل والشامل للقرار 1701. وبمعزل عن أي مستجدات او طروحات، فإنّ كرة الحل في الملعب الاسرائيلي بالانصياع للقرار 1701، بالتالي فإنّ لبنان لن ينزل تحت هذا السقف المتفق عليه اساساً مع هوكشتاين".

وذكر المصدر أنّ "رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ثابتان على هذا السقف، وسيؤكّدان على هذا الموقف مجدداً أمام هوكشتاين، سواء إنْ حضر إلى بيروت او عبر أي قناة أخرى. ومعنى ذلك أنّ الشروط التي تطرحها اسرائيل لوقف اطلاق النار، وتحاول ان تحشد دعماً دولياً معها، مرفوضة جملة وتفصيلاً، ولدينا ما يؤكّد أنّ الاميركيين لا يماشونها، ويعتبرونها تعقيدات معطلة ومؤخّرة للتسوية. ومن هنا فإنّ تأخّر حضور هوكشتاين إلى بيروت، قد يكون مردّه إلى عدم وصوله حتى الآن إلى صيغة نهائية للتسوية من شأنها أن تحظى بمقبولية الجانب اللبناني عليها".

باريس على الخط

الى ذلك، أكّدت مصادر دبلوماسية من العاصمة الفرنسية لـ"الجمهورية"، أنّ "باريس على خط الحراكات الجارية للتعجيل في وقف اطلاق النار على جبهة لبنان، وتركيز حلّ دبلوماسي يوفّر الأمن والاستقرار على جانبي الحدود"، مشيرةً إلى "خطوات باشرت فيها باريس لتوفير الدعم الحقيقي للجيش اللبناني، وتعزيز قوات "اليونيفيل". وضمن هذا السياق، يأتي تأكيد فرنسا استعدادها لتعزيز عديد وحدتها العاملة في اطار قوات حفظ السلام في الجنوب اللبناني".

وجزمت أنّ "مصلحة كل الجهات بالوصول الى تسوية سياسية تنهي الحرب في اقرب وقت ممكن، وفرنسا وشركاؤها يعملون في هذا الاتجاه، مع التشديد على أنّ الشرط الأساس للتعجيل في وقف الحرب، هو مبادرة كلّ الأفرقاء إلى تنازلات تخدم الحل الديبلوماسي وتعجّل في وقف اطلاق النار".

الشروط الإسرائيلية

في سياق متصل، كشفت معلومات موثوقة لـ"الجمهورية"، أنّ "سفيراً اوروبياً عكس امام مسؤولين كبار، أجواءً لا تميل إلى التفاؤل بقرب بلوغ تسوية على جبهة لبنان، حيث أنّه قال ما حرفيته إنّ "هناك حراكاً يجري بين العواصم، وهناك أفكار يتمّ تداولها، لكنّها لم ترق بعد إلى أن تشكّل أساساً لحل. ولا نزال نسمع من "حزب الله" انّه مستمرٌ في الحرب وجاهز لها لفترة طويلة، وفي الوقت نفسه نسمع من الجانب الاسرائيلي مواقف متناقضة بين توجّه للتعجيل في التسوية، وبين توجّه في الآن نفسه لتوسيع المناورة البرية، ما يعزز الخشية في هذه الأجواء من أن ينحدر الوضع العسكري إلى مزيد من الاشتعال والتصعيد؛ بما لا يخدم مصلحة أي من اطراف الحرب القائمة".

وبيّنت أنّه "فُهم من كلام السفير عينه أنّه يلمّح الى الطروحات الاسرائيلية التي زامنتها اسرائيل بتصعيد في الميدان العسكري، تتفق كل التقديرات على أنّ الهدف منه هو فرض واقع ميداني ضاغط على "حزب الله" ولبنان للقبول بالشروط الاسرائيلية".

البرلمان اللبناني يمدد للقادة العسكريين والأمنيين قبل نهاية الشهر الحالي

من جهة ثانية، أفادت صحيفة "الشرق الأوسط"، بأنّ "البرلمان اللبناني يستعد لعقد جلسة تشريعية قبل نهاية الشهر الحالي بدعوة من رئيسه نبيه بري، وعلى جدول أعمالها التصويت على اقتراح قانون يقضي بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وفتح اعتمادات مالية تخصص لتأمين احتياجات النازحين في المراكز المخصصة لإيوائهم مع حلول الشتاء... فيما لا يزال انتخاب رئيس للجمهورية يراوح في مكانه، ريثما تنضج الظروف الداخلية والخارجية المواتية لانتخابه، بعد التوصل لوقف النار في الجنوب، على نحو يسقط تذرع "حزب الله" بالظروف الأمنية التي تضطره إلى الغياب عن جلسة الانتخاب تحاشياً لاستهداف إسرائيل نوابه".

وأوضحت أنّه "يُفترض أن يشمل التمديد لقادة الأجهزة الأمنية: قائد الجيش العماد جوزف عون، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، باستثناء المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، الذي لم يحن الوقت بعد لإحالته إلى التقاعد، بعد أن استفاد من نقله من الملاك العسكري إلى المدني الذي يجيز له البقاء في الخدمة الفعلية حتى بلوغه سن الـ64 بدلاً من 59 سنة؛ وهي مهلة التقاعد للضباط من رتبة لواء".

النصاب القانوني مؤمّن

وأكدت مصادر نيابية للصحيفة، أن "لا مشكلة في التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، وأن النصاب النيابي مؤمن لانعقاد الجلسة"، مشيرةً إلى أن "التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل قد يكون وحيداً في اعتراضه على التمديد، إلا إذا قرر "حزب الله"، لأسبابه الخاصة، أن يكون في عداد المعترضين، بخلاف موقفه في جلسة التمديد الأولى بتأمينه النصاب من دون التصويت؛ مما تسبب له في مشكلة مع حليفه السابق باسيل".

ولفتت إلى أن "الحزب لم يحدد موقفه النهائي من التمديد، وإن كان غمز من قناة وعلى طريقته، قيادة الجيش في استيضاحها الملابسات التي كانت وراء اختطاف إسرائيل القبطان البحري عماد أمهز، وأخذت على الحزب أنه لم يكن مضطراً إلى مساءلتها في العلن، بدلاً من التواصل معها لتبيان كيفية تمكّن الكوماندوز الإسرائيلي من الوصول إليه واختطافه".

ورأت المصادر أن "حزب الله ليس مضطراً إلى تبرير موقفه من التمديد بالتذرّع بأن التمديد، وبالأخص لقائد الجيش، يأتي بناء على طلب السفيرة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون، من بري ورئيس حكومة اصريف الأعمال نجيب ميقاتي"، مركّزةً على أنّ "الظروف الاستثنائية الطارئة التي يمر بها البلد، لا تسمح بشغور المؤسسات الأمنية والعسكرية من قادتها، لما يترتب عليه من تداعيات، خصوصاً أن "حزب الله" كان أول من ناصر "التيار الوطني" برفضه إصدار مجلس الوزراء تعيينات لملء الشغور بغياب رئيس الجمهورية".

واعتبرت أنّ "لا مصلحة لـ"حزب الله" في أن يتذرع بتدخل جونسون"، مشدّدةً على أنّ "هناك ضرورة لتحصين المؤسسات العسكرية، لدورها في الحفاظ على السلم الأهلي من جهة، والتدخل في الوقت المناسب لحل أي إشكال يمكن أن يهدد علاقة النازحين بمضيفيهم من جهة ثانية، لأنه لا بد من استيعاب النازحين مع احتمال زيادة عددهم، جراء إمعان إسرائيل في تفريغها القرى من سكانها؛ واضطرارهم إلى النزوح. وفي حسابها أن هذا الكم الكبير منهم سيتحول قنبلة موقوتة، بالمفهوم السياسي للكلمة، لا بد من أن تنفجر وتؤدي لإحداث فتنة من شأنها أن تتمدد لتطال مناطق واسعة تدفع بالبعض إلى إعادة النظر في النموذج اللبناني الجامع".

كما أعربت عن أملها بأن "لا تؤدي مساءلة "حزب الله" قيادة الجيش إلى تعكير علاقته، ومن جانب واحد، بالعماد عون، ما دام أنه يدرك، أي الحزب، أنه لا رابط بين التمديد لقادة الأجهزة الأمنية وبين انتخاب الرئيس، وأن من مصلحته تحصين الوضع الداخلي وعدم السماح بفتح ثغرة يمكن أن تهدد الاستقرار، الذي ينظر إليه المجتمع الدولي من زاوية أن المؤسسة العسكرية تبقى صمام الأمان لمنع تفلت الوضع؛ في ظل انحلال معظم إدارات الدولة وتعذر إعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية".

وعلمت "الشرق الأوسط" من مصادر نيابية، أن "بري أوعز إلى نوابه عدم الدخول في سجال مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع على خلفية اقتراحه (جمع تواقيع أكثرية ثلثي النواب على عريضة نيابية، ولو لم يوقّعها نواب الشيعة، تُلزم بري بالدعوة إلى جلسة انتخاب الرئيس)، لأن الأولوية من وجهة نظره، متابعة الجهود للتوصل لوقف النار ووضع حد للعدوان الإسرائيلي، رغم أن النواب الذين يتموضعون في منتصف الطريق بين الثنائي الشيعي والمعارضة يرون أن اقتراحه غير قابل للتطبيق؛ ويبقى تحت سقف تسجيل موقف ليس أكثر".