علّق الكثير من الناس وبالاخص اللبنانيين، الآمال الكبيرة على المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الاميركية دونالد ترامب الذي وعد بحل المسألة في الشرق الاوسط ووقف الحرب في لبنان وغزة بسرعة، وقدّم الوعود والتعهدات بذلك. وعلى هذا الاساس، حشد العرب اصواتهم ورجّحوا كفّة ترامب على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس بعد ان استبشروا خيراً بكلامه من جهة، وبصلة القربى التي باتت تربطه باللبنانيين من جهة ثانية حيث برز اسم مسعد بولس كجزء من فريق عمله، ولو لم يتم الحديث عنه بشكل رسمي. ويمكن القول ان اصوات العرب واللبنانيين ساهمت بشكل كبير في وصول ترامب مرة اخرى الى البيت الابيض.

وحاول اللبنانيون عن قصد، نسيان الولاية الاولى لترامب التي حفلت بالمآسي على لبنان، فهو قرر في حينه استهداف حزب الله والتضييق عليه مالياً واقتصادياً، ولكن النتيحة كانت مأساة غير مسبوقة عاشها اللبنانيون فيما لم يتأثر الحزب بشيء، بل زاد من قوته وفاعليته كما على مدى السنوات الاخيرة. وللعلم فقط، كان اللبناني وليد فارس مستشاراً لترامب في تلك الحقبة قبل ان يأفل نجمه شيئاً فشيئاً على غرار الكثيرين الذين كانوا يحيطون بالرئيس "الغريب" في تلك الفترة.

سبب الكلام اليوم، هو بوادر الاشخاص الذين اعلن ترامب نفسه عن الاستعانة بهم لتسلم مهام حساسة جداً في ادارته المقبلة، وفي مقدمهم ماركو روبيو الذي سيتولى وزارة الخارجية وهو معروف بتعاطفه الكبير مع اسرائيل، ومن غير المرجح ان يتعاطف مع لبنان او الفلسطينيين بطبيعة الحال. اما وزير الدفاع المتوقع تعيينه فهو بيت هيغسيث الصحافي في محطة "فوكس" التي تتبع سياسة معروفة بالنسبة الى دعم اسرائيل. وللتنويه فقط، هذا لا يعني انه لو فازت هاريس لكانت الادارة الاميركية الجديدة اكثر ميلاً للبنان والعرب، فقد عاينّا طريقة تعاطي الديمقراطيين خلال ولاية الرئيس الحالي جو بايدن مع الوضع في غزة ولبنان، فكان الكلام المعسول من نصيبنا والدعم اللامحدود من نصيب اسرائيل.

وقد يقول البعض ان النسخة الثانية لترامب تختلف عن النسخة الاولى لجهة عدم قبوله بأي ضغوط من اللوبي اليهودي عليه لانه لا يرغب في ولاية ثانية على عكس ما كان عليه الوضع عند انتخابه عام 2016، ولكن للاسف هذه النظرية باتت في موضع خطر، بعد تلميح ترامب نفسه بالامس من امكان توليه ولاية ثالثة على عكس ما ينص عليه الدستور الاميركي، ولكن مع رئيس بهذه الغرابة والتصرفات غير المتوقعة، وفي ظل سيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ، هل يمكن لاحد ان يضمن الا يبقى هذا الكلام مجرد تلميح؟ واذا كان الرئيس الجديد لم يتسلم بعد مهامه بشكل رسمي وبدأ الحديث عن ولاية اخرى، فهل يجب اعتبار المسألة مجرد "مزحة" ام يجب التفكير جدياً بأن طموحاته باتت تتخطى سنوات عمره الكثيرة؟.

في كل الاحوال، وعد ترامب بحل المسألة في الشرق الاوسط وبوضع حد للحرب بين روسيا واوكرانيا، ولكنه لم يحدد يوماً خريطة الطريق لهذا الحل، ومن الممكن جداً ان يكون على حساب طرف واحد، اذ قد يجد ان الحل يمكن فرضه من دون الوصول الى توافق الطرفين، وفي حالة الحرب في لبنان، ما الذي يمنع من ارضاء اسرائيل وفرض ما يريد على لبنان؟ صحيح ان ترامب لا يحبذ الحروب العسكرية، لكنه "مغرم" بالحروب الاقتصادية والمالية وهي من انواع الحروب التي تعتبر بمثابة "نقطة ضعف" اللبنانيين. وفي حال نجح في فرض وقف اطلاق النار قريباً، يصبح الخوف من مرحلة ما بعد ذلك، وهي المرحلة الاكثر حساسية كونها طويلة وتهدد بتفجير الوضع من الداخل. لا يجب طبعاً اعتماد الحكم المسبق على الاشخاص، ولكن وفق التجارب السابقة ومع بوادر القرارات والمواقف الحالية لترامب، فإنه من المرجح ان تبقى لاسرائيل الافضلية على غيرها من الدول، ومن المؤكد انه اذا ما تمكن من استكمال عمليات التطبيع بين اسرائيل والعرب، فسيكون لبنان في المرتبة الاخيرة من الاهتمام، ولن يهتم حتى لو حمل حفيده المنتظر اصولاً لبنانية، او لو لاقى مسعد بولس المصير نفسه الذي لاقاه وليد فارس.