أقمنا في الحادي والعشرين من الشهر الحالي عيد دخول السيِّدة العذراء والدة الإله إلى الهيكل الَّذي نجد مصدره في إنجيل يعقوب المنحول. ليست الأناجيل المنحولة كلّها مرفوضة، وقد استشهد ببعضها آباء قدِّيسون كثُر وقاموا بعظات حول أعياد أخذوها منها مثل ميلاد العذراء ورقادها.

ليتورجيًّا، يشكِّل العيد محطَّة مهمَّة جدًّا في الفترة الميلاديَّة، فهو يأتي بعد أسبوع من بدء صوم الميلاد المجيد، وفيه نبدأ بترتيل كاطافاسيَّات الميلاد، منها: «المسيح وُلِدَ فمجِّدوه، المسيح أتى من السموات فاستقبِلوه، المسيح على الأرض، فارتفِعوا. رتِّلي للربِّ أيَّتها الأرض كلُّها، ويا شعوب سبِّحوه بابتهاج، لأنَّه قد تمجَّد».

بهذا يصبح عيد دخول العذراء إلى الهيكل عيد دخولنا إلى ميلاد السيِّد، فنولَد معه من جديد.

قطع صلاة غروب العيد وسحره والقدَّاس الإلهيِّ الخاصَّة بالعيد تعطينا المعنى اللاهوتيَّ له. هذه هي أهمِّيَّة الليتورجيا، فهي تساعدنا لنعرف إيماننا، وهذا هو عملنا الأوَّل لكي نتنقَّى ونتوب ونتقدَّس.

أيقونة العيد غنيَّة جدًّا بمعانيها. غالبًا ما تجمع مشهدين: الأوَّل موجود في القسم السفليِّ، ويحمل الكثير من التفاصيل، وتتنوَّع بين أيقونة وأخرى.

الأمر الأوّل الذي يلفت نظرنا هو صغر حجم العذراء، إشارة إلى عمرها البالغ ثلاث سنوات عندما قدَّمها والداها يواكيم وحنَّة إلى الهيكل إيفاء بوعدهما للربِّ. ولكن نلاحظ أنَّ وجهها بالغ، إشارة إلى الحكمة الإلهيَّة والروح القدس المرافق لها. الطفلة تتقدَّم بفرح لأنَّها تشعر بالأمان.

زكريَّا الشيخ والد القدِّيس يوحنَّا المعمدان بلباسه الكهنوتيِّ يستقبل العذراء وسط الترانيم. فهو رئيس كهنة ونبيٌّ في الوقت نفسه. علامة النبوءة ظاهرة على رأسه، وهي كناية عن مكعَّب بداخله أسفار من الشريعة. كما نلاحظ وجود هالة القداسة حول رأس العذراء ووالديها وزكريَّا الشيخ.

وقوف زكريَّا على منصَّة له علاقة بالحدث الإلهيّ وأقسام الهيكل الثلاثة، القسم الخارجيِّ والقدس وقدس الأقداس. القسم الخارجيُّ مخصص للعموم، والقدس يقيم فيه الكهنة الاحتفالات الليتورجيَّة، وقدس الأقداس المكان الأكثر قدسيّة حيث تابوت العهد، ولا يدخله أحد إلَّا رئيس الكهنة مرَّة واحدة في السنة في يوم الغفران ويلفظ اسم الله. فلم يكن مسموحًا لفظ اسم الله إلَّا بعد التوبة والغفران.

كما كان يتمُّ الصعود إلى القسم العلويِّ من الهيكل بصعود درج من خمس عشرة درجة، ويُصار إلى ترنيم مزمورٍ على كلّ درجة.

أدخل الشيخ زكريّا العذراء قدسَ الأقداس. هكذا تدخل العذراء هيكل أورشليم الأرضيّة لتجعله هيكل أورشليم السماويّة وتنقله استباقيًّا من هيكل العهد القديم إلى هيكل العهد الجديد.

العذارى يتبعنها حاملاتٍ المصابيح، كيف لا وهنَّ يتبعن الملكة أمَّ النور، ويرتِّلن مرتدياتٍ أجمل ثيابهنَّ: «بملابس مطرَّزة تُحضَرُ إلى الملِك. في إثْرِها عذارى صاحباتُها. مقدَّماتٌ إليك» (مزمور 45: 14).

كما تشير العذارى إلى العفَّة والطهارة. وكنَّ يكرِّسن وقتهنَّ للصلاة، ولهنَّ دور في الهيكل بالقيام بأعمال يدويَّة والحرص على نظافة المكان. عادة يبلغ عددهنَّ في أيقونات العيد سبعًا أو ثمانٍ والأغلب سبعًا.

تقارب القراءة الثانية في غروب العيد (1 ملوك 8: 1-11) بين دخول تابوت العهد إلى الهيكل ودخول والدة الإله إلى الهيكل، كأنْ بذلك تكون العذراء تابوت العهد الجديد الَّتي ستلد معطي الشريعة.

بقيت العذراء في الهيكل إلى الخامسة عشرة من عمرها، ومن ثمَّ عُهِدَ بها إلى يوسف البارِّ ليحفظها وتكون على اسمه اجتماعيًّا.

كانت العذراء تمضي وقتها في الصلاة والترنيم وقراءة الأسفار المقدَّسة والتأمُّل، بالإضافة إلى أعمال يدويَّة. وقد برزت مريم منذ صغرها بمواهبها ورصانتها وجدِّيَّتها. وكانت تحرص على أن يكون ما يوكل إليها كلّه مرتَّبًا ونظيفًا. وهذا ما تفعله في الكنيسة مع الجماعة على الدوام. فكما هي الكلِّيَّة القداسة هكذا هو عملها مقدَّس.

في أثناء وجودها في الهيكل، اتُّخذ قرار بتغيير الحجاب الَّذي يفصل الجناح المسمَّى القدس عن قدس الأقداس لأنَّه عتق. ويذكر أنَّ ثلاثمئة كاهنًا عملوا على خياطة الحجاب، وكان طوله وعرضه يبلغان تسعة أمتار. كما تم اختيار سبع عذارى من نسل داود ليعملن أيضًا على تطريزه، وكانت مريم من بينهنَّ وأبدعت في ذلك.

حياكتها للحجاب شكَّل إشارة مسبقة على إعطائها جسدًا للربِّ، كأنَّها بذلك تصوِّر أيقونة له. وقد استعملت خيطًا ذهبيًّا وأرجوانيًّا. اللونان الذهبيُّ والأرجوانيُّ لهما دلالتهما اللاهوتيَّة، يدل الأوَّل على الملوكيَّة والثاني على آلام السيّد المسيح على الصليب وعلى مجده في آن.

وعندما انشقَّ الحجاب إلى قسمين من فوق إلى أسفل لحظة أسلم الربُّ الروح على الصليب، لم يعد هناك أيُّ حاجز بين القدس وقدس الأقداس إشارة إلى اتِّحاد السماء بالأرض بتجسُّد الربِّ وخلاصه لنا بقيامته من بين الأموات. وهكذا تمجَّدت المسكونة وأصبح الخلاص شاملًا للجميع، فتمزُّق الحجاب رمزًا إلى موت المسيح بالجسد كما أشار بولس الرسول.

المشهد الثاني موجود في أعلى الأيقونة، ونشاهد فيه العذراء جالسة والملاك يأتيها بالطعام السماويِّ إشارة إلى جسد الربِّ الَّذي ستحمله في أحشائها.

تجلس العذراء على ثالث درجة إشارة إلى الدرجات الروحيّة الثلاث: الأولى هي التطهير أي تنقية الأهواء، والثانية هي الاستنارة، والثالثة هي التألُّه بالاتِّحاد بالكلمة المتجسّد.

المبنيان في الخلف يرمزان إلى العهد القديم والجديد، والإثنان يلفُّهما المجد الإلهيُّ لأنَّ الربَّ هو المكمِّل والمحور، ويجب أن يُقرَأ العهد القديم على ضوء العهد الجديد.

نشاهد في بعض الأيقونات شجرة، إشارة إلى نسب المسيح ابن داود: «ويخرج قضيب من جذع يسَّى، وينبُت غصن من أُصوله» (إشعياء 11: 1).

صحيح أنَّ الأحداث تجري داخل الهيكل إنَّما الأيقونة تظهرها في مكان مفتوح. هذا الأمر من خصوصيَّة الفنِّ الإيقونغرافيِّ.

لندخل مع العذراء ونحمل المسيح في قلوبنا.

إلى الربِّ نطلب.