على وقع استهداف "حزب الله" لإسرائيل بالصّواريخ الثّقيلة والمسيّرات الانقضاضيّة مرّات عدّة أمس، بعد المجزرة الإسرائيليّة في منطقة البسطة الفوقا في بيروت، أكّدت اوساط سياسية مطلعة لصحيفة "الجمهورية"، أنّ "ردّ "حزب الله" النوعي امس على الاعتداءات الاسرائيلية، أعاد خلط الأوراق في الميدانَين العسكري والسياسي، وفرض وقائع جديدة لا يمكن لقيادة الاحتلال ان تتجاهلها، الّا إذا اصرّت على التصرف كالنعامة وان تدفن رأسها في الرمال حتى لا تعترف بالحقائق".

وأشارت إلى أنّ "القوة النارية غير المسبوقة التي استخدمها الحزب لقصف وسط الكيان الاسرائيلي وصولاً الى تل أبيب، مرات عدة يوم امس، نسفت كل التقديرات الإسرائيلية التي كانت مبنية على فرضية انّ غالبية القوة الصاروخية النوعية للمقاومة دُمّرت، وانّ قدرته على الصمود تآكلت".

وأوضحت الأوساط أنّ "بالتالي أثبت الحزب انّه لا يزال قادراً على إيلام الكيان بقوة، من خلال الاستهداف المكثف لشماله ووسطه بمئات الصواريخ، الأمر الذي يعني انّ الحرب الإسرائيلية الواسعة على لبنان فشلت بعد شهرين من بدئها، في تحقيق أبسط أهدافها، وهو إعادة الأمن والنازحين إلى المنطقة الشمالية؛ بل انّ حالة الإضطراب والنزوح امتدت من الجليل إلى قلب الكيان".

واعتبرت أنّ "الضربات التي وجّهها الحزب إلى داخل الكيان، تحمل رسالة مفادها أنّ عليه الّا يعوّل على الوقت لتحسين شروطه الميدانية والتفاوضية، بل انّ الوقت يمنح المقاومة فرصة لاستخدام مزيد من الأوراق التي لم تستعملها بعد. ولذلك يجب على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ان يقبل بوقف إطلاق النار، وفق ما تمّ التفاهم عليه بين المفاوض اللبناني والموفد الأميركي آموس هوكشتاين، وعدم التوهم انّ في إمكانه تحصيل مكاسب إذا تعمّد إطالة أمد الحرب". ورأت أنّ "قصف تل أبيب الكبرى كرّس معادلة "تل أبيب في مقابل بيروت"، التي أطلقها الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم قبل أيام".

مناورة خطرة

إلى ذلك، عبّرت مصادر دبلوماسية عبر "الجمهورية"، عن اقتناعها بأنّ "إسرائيل تنفّذ اليوم مناورة سياسية خطرة، إذ توحي علناً باهتمامها بوساطة هوكشتاين الذي عاد إلى واشنطن من دون الإعلان عن نتيجة واضحة لجهوده، فيما هي تطلق العنان على الأرض لأوسع تصعيد عسكري ضدّ لبنان، تريد منه توسيع خروقاتها في الجنوب اللبناني وتثبيت احتلالها لبقعة واسعة منه، ربما تصل إلى نهر الليطاني أو تتجاوزه؛ ليكون ذلك أساساً لأي اتفاق مفترض مع لبنان".

وبيّنت أنّ "في الوقت نفسه، هي تواصل عمليات التدمير في الأحياء السكنية في الضاحية الجنوبية لبيروت، في محاولة لرفع مستوى الضغط على "حزب الله" وبيئته".

إشارات هوكشتاين

في هذه الاجواء، أكدت مراجع دبلوماسية وسياسية لـ"الجمهورية"، أنّ "الفريق اللبناني المفاوض لا يزال ينتظر معلومات اضافية من هوكشتاين حول نتائج زيارته الاخيرة لتل ابيب، وحصيلة المشاورات التي أجراها مع المسؤولين المعنيين، وتوسّعت هذه المرّة لتشمل مسؤولين جدداً يلتقيهم للمّرة الأولى".

وشدّدت على أنه "ليس منطقياً ان يتوقف المسؤولون اللبنانيون أمام ما تسرّب من معلومات متناقضة حول ما انتهت إليه طروحاته، ولا سيما منها البنود المختلف حولها والتي تمّ إحصاؤها منذ أن كان هوكشتاين في بيروت، وفق جدولين للفصل بين ما هو متفق عليه بنحو سلس وطبيعي، وأخرى ما زالت رهن مزاجية نتانياهو الذي تجاوز كل الخطوط الحمر في لبنان وغزة؛ بعدما تكرّرت التجارب عينها في الحربين".

وركّزت المراجع على أنّه "لا يمكن الربط بأي طريقة بين ما هو مطروح توصلاً الى وقف للنار في لبنان، وبين أي حدث آخر، وخصوصاً ما يتصل بقرارات المحكمة الجنائية الدولية التي أمرت بتوقيف نتانياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة".

الراعي يشكّك في المفاوض اللبناني: المطلوب استمرار الحرب؟

بدورها، أفادت صحيفة "الأخبار"، بأنّ "ثلاثة عناوين يسمعها زائر بكركي هذه الأيام، تتمحور حول انتخاب رئيس للجمهورية، تطبيق القرارات الدولية والعودة إلى "الحياد الفاعل". في الواقع، ليست هذه عناوين جديدة، إذ دأب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على تردادها منذ أكثر من عامين، وأعاد التأكيد عليها في عظته أمس، مضْفياً بعضَ التعديلات المتعلقة بالمفاوضات التي يجريها رئيس مجلس النواب نبيه بري مكلّفاً من قبل "حزب الله"، مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بالنيابة عن العدو الإسرائيلي".

ولفتت إلى أنّ "الراعي عبّر بوضوح عن تململه من تلك المفاوضات، عبر تشكيكه في الجهة اللبنانية التي تتولاها، أي بري بشكل خاص ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، اللذين اعتبرهما جهتين فاقدتين للصلاحيات الشرعية والدستورية، معتبراً أن تلك المَهام هي من صلب صلاحيات رئيس الجمهورية، وأن هناك تعمّداً بعدم الدعوة إلى جلسة لانتخابه ليبقى مستبعداً عن المشهد".

وأشارت الصحيفة إلى أنّه "فيما يُقرأ من كلام الراعي انزعاجه من حركة بري وسلوك ميقاتي، يبدي البطريرك أمام زواره استياء من عدم زيارة هوكشتاين له في إطار الجولة التي قام بها على بعض المسؤولين اللبنانيين، إضافة إلى عدم الأخذ برأيه حول الوضع المسيحي الحالي، ورؤيته لتطبيق القرارات الدولية".

وكشفت أنّ "الواقع أن الراعي يحرص في كل اللقاءات، على تكرار تمسكه ليس بالقرار 1701 فحسب، بل بكل القرارات الدولية بما فيها القراران 1559 و1680، كمقدمة لإعلان "حياد لبنان" في الخطوة التالية. إذ ترى بكركي، وفقاً لأحد الأساقفة، أن "الحياد الفاعل" هو "خشبة خلاص لبنان، بشرط أن يُطبق برعاية مجلس الأمن الدولي، وتوافق عليه كل المكوّنات اللبنانية".

وأكّدت مصادر "الأخبار"، أنّ "الحياد هنا لا يعني الابتعاد عن المحيط العربي أو عدم مساندة القضية الفلسطينية، بل يشمل فقط عدم المشاركة بالأعمال الحربية. لذلك لا بدّ من دور أساسي لرئيس الجمهورية في تبنّي "نظام الحياد" والسعي لتطبيقه، صوناً للوحدة الوطنية ولمصلحة البلد".

وذكرت الصّحيفة أنّ "بحسب ما يقوله الراعي، فإن هذا الحياد "يمكن أن يؤمّن مخرجاً مُشرّفاً لحزب الله حتى يسلّم سلاحه، من دون أن يشكّل ذلك أي إحراج أمام جمهوره. فعندما يصبح لبنان محايداً، سيمتلك الحزب التبرير التقني للتخلي عن السلاح، طالما أن مجلس الأمن سيطلب من العدو الإسرائيلي وسوريا الاعتراف بحياد لبنان واستعادة أراضيه المحتلة إن ثبتت ملكيته لها. وبالتالي، ستنعم الدولة بالازدهار كما كان الوضع عليه أيام الاستقلال الأولى، وستعود المكوّنات اللبنانية إلى العيش معاً تحت سقف القانون والشرعية الدولية".

وأضافت: "من هذا المنطلق، يرى الراعي في ما يجري من مفاوضات "مسعى جديداً لإغراق لبنان أكثر فأكثر ودفعه نحو الهاوية، معتبراً أن صيغة التفاوض لا تخدم الدولة وليست لصالحها، فضلاً عن عدم ثقته بالمفاوض الذي يقفل أبواب المجلس النيابي الفاقد لهيئته التشريعية، بعدما أصبح هيئة ناخبة لا تؤدّي دورها منذ سنتين".