رأى رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، في حديث لصحيفة "الشرق" القطرية، أن "ما يشهده لبنان حزين ومؤسف، حيث يتعرض بلدنا إلى اجتياح مجرم قاتل مدمر ومهجر يعاني أهلنا من العدوان، ويتطلعون إلى تحقق الاستقرار والسلام ويطمحون أن يستعيد لبنان ألقه وازدهاره وتتوقف آلة القتل والتخريب"، موضحاً أنه "غير الحرب لا شك أن هناك مشكلات كبرى علينا أن نعمل من أجل تخطيها لتعزيز الوحدة بين اللبنانيين".

واعتبر أن "إسرائيل دون شك تريد أن توقف الدور المميز الذي يقوم به لبنان بوصفة بلدا متنوعا يقدم ثراء وقدرة هائلة على أن يحتضن كل المكونات ويشجعها على تقديم أفضل ما لديها في العملية الوطنية، ومن الطبيعي إذا لم تتم إدارة التنوع بشكل سليم ينعكس سلبا على البلد وتنقلب النعمة لتصبح نقمة"، موضحاً أنه "على مدى سنوات لبنان سادت فيه نظريات معينة: منها أن لبنان قوته في ضعفه، ثم قوة لبنان في مقاومته. والحقيقة أن لبنان قوته في وحدة أبنائه وقدرتهم على أن يتضامنوا سويا في وجه كل اعتداء وفي كل محاولات تقزيم هذا الدور أو تعديله أو حذف هذا الدور الوطني والعربي الذي طالما قمنا به".
ولفت إلى أنه "في 8 تشرين الأول من العام الماضي قام حزب الله بعمل عسكري على الحدود وتحديدا على الخط الأزرق، وكان الهدف منه الإسناد انطلاقا من فكرة أهمية وحدة الساحات، غير أن فكرة وحدة الساحات يجب أن تكون شمولية وإلا ستكون فكرة فاشلة"، معتبراً أن "العملية العسكرية كانت مخالفة للوعود التي قطعها حزب الله والسيد حسن نصر الله بألا يكون هناك أي عمل على الحدود وتحديدا على الخط الأزرق. وكان حزب الله قد قام بنفس العمل العسكري في عام 2006 وكرره في سنة 2023 دون استشارة اللبنانيين ودون إعلامهم وتم إقحام البلاد في حرب دون موافقتهم".
وأضاف: "بعد معاناتنا من الحروب يمكننا الجزم بعدم إمكانية الزج بلبنان في الحرب. وهنا أود الإشارة إلى أن الأمر لا يتعلق بتقصير لبناني بشأن القضية الفلسطينية، لبنان من أكثر الدول العربية التي التزمت بالقضية عن إيمان ودون ادعاء، لكن يجب ألا ننسى أن لبنان تعرض لسبعة اجتياحات إسرائيلية، وذلك 68 و78 و82 و93 و96 و2006".

وشدد على أنه "لا يجوز الزج بلبنان في الحرب وهو يعاني من مشكلات كبرى ويعيش في أزمة وطنية سياسية"، موضحاً أنه "نحن لا نستطيع حتى هذه اللحظة أن ننتخب رئيسا للجمهورية لإعادة تكوين السلطات الدستورية وللتمكن من تأليف حكومة تكون مسؤولة ولديها الصلاحيات اللازمة لإدارة البلد. كما يعاني لبنان من الأزمة الاقتصادية والمالية التي عصفت به، الى جانب الكمية الكبيرة من النازحين السوريين (أكثر من مليون سوري). أضف إلى ذلك انحصار شبكة الأمن العربية والدولية التي كان يتمتع بها لبنان سنة 2006، كل هذه الأسباب تتطلب التروي والعمل من أجل معرفة الامكانات. كان بإمكان لبنان أن يدعم المقاومة سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا دون إقحامه في حرب لا قدرة له عليها".
ورداً على سؤال حوا ما إذا كان القرار اللبناني مختطف من قبل "حزب الله"، رأى أنه "دون شك الأعمال التي وقعت في اخر فترة تسلط الضوء على هيمنة دور الأقلية على الأغليبة رغم أن الأنظمة الديمقراطية تقوم على أساس أن الأكثرية تحكم الأقلية غير مهمشة. لكن في لبنان اعتمدنا أسلوب ما يسمى بحكومات الوحدة الوطنية التي تعد ظاهرة طبيعية بالأنظمة الديمقراطية، ولكنها ظاهرة عرضية بحيث تدخل المعارضة إلى الحكومة وترفع "الفيتو باور". هنا عمليا النظام الديمقراطي يصبح متعذرا بالنسبة للمحاسبة والمساءلة، بما ان المعارضة أصبحت ضمن الحكومة. ونعيش ما يسمى بتسلط الاقلية. وتم تخريب النظام الديمقراطي واختطافه في لبنان".
وشدد على أن "لبنان اكتمل كدولة ولكن لبنان يقع في منطقة زلزالية ليس جيولوجيا بل سياسيا، حيث إن المنطقة متأججة من أجل القضية الفلسطينية بشكل أساسي وبسبب رغبة القوى الدولية أن يكون لها دور في المنطقة. لكن لبنان من أوائل الدول العربية التي أسست دستورا وحصلت على استقلالها وساهمت في إنشاء جامعة الدول العربية، وبالتالي اكتمل شكل النظام اللبناني كدولة ديمقراطية ولها دستور، لكن لبنان يقع في منطقة تعاني من عدة مشكلات وانقلابات. لبنان خلال هذه السنوات تحول إلى ساحة قتال وتحول إلى صندوق بريد، تصله رسائل دموية وهو ما يرفضه اللبنانيون".
واعتبر أن "كل فريق في لبنان حاول أن يستقوي بالخارج على الداخل وفي هذا تضارب حقيقي مع جوهر وجود لبنان والقواعد التي يقوم عليها، وهي قوة التوازن وليس على توازن القوى. وهو التفاهم بين المجموعات اللبنانية حتى تنضوي تحت لواء الوطن والدولة اللبنانية، وبالتالي تحل مشكلاتها بالداخل اللبناني وأن يعالجوا مشكلاتهم من داخل وطنهم وداخل مؤسساتهم، والاحتكام للدستور ولسلطة القانون والنظام، وهذا غير موجود في لبنان فكل طرف يحاول الاستقواء بالخارج".
واعتبر أنه "بعد انسحاب إسرائيل في عام 2000، وجدوا حجة ليبقى حزب الله، وبعدها وقع اغتيال رفيق الحريري عام 2005 والمطالبة بإنشاء لجنة تحقيق دولية وإنشاء محكمة دولية بعدها وصلنا إلى معرفة القتلة دون القبض عليهم. هذا الوضع ساعد حزب الله ليسيطر على الدولة اللبنانية، حيث استطاع القبض على فريق من اللبنانيين لخدمة مصالحهم الضيقة مثل ميشال عون أمن له حزب الله الغطاء للحصول على السلطة وقدم هو الضمانات للحزب للمحافظة على سلاحه وشرعيته".
وأكد أنه "لست متحاملا على حزب الله أنا عندي انتماء لبلدي وللدستور وأؤمن بضرورة أن يكون الجميع منضويا تحت سلطة الدولة، وأن يعود الجميع إلى الدولة لكن بشروط قانونية"، قائلاً: "نحن مع العدالة ولسنا مع الظلم، العدالة يجب أن تطبق على الجميع، دون تمييز بين فريق من اللبنانيين لصالح فريق آخر مما يعني الفرقة وهذا الارتهان إلى البيت الداخلي للبنان وللسياسية، نحن في حاجة إلى التضامن الداخلي الذي يولد الثقة في البلد ولذلك شهدنا خلال هذه السنوات الماضية صار هناك من يضغط من أجل التفرقة".
وشدد على "الحاجة إلى ترتيب البيت الداخلي ضرورة قبل طلب أي مساندة خارجية ولكن هناك أطراف خارجية سعت إلى إبعاد اللبنانيين عن دورهم الأساسي وحرصهم على بناء علاقات مع الدول العربية ولا سيما دول الخليج ومصر، طبعا كل الدول العربية أصدقاؤنا من المغرب إلى الخليج. ولكن هناك مجموعة من الاحداث ساهمت في تخفيف الإسناد العربي. ومنها أن حزب الله بعد عام 2011 أوكل له دور خطير في المنطقة من قبل إيران التي أرادت نقل المواجهات الخاصة بها الى المنطقة من خلال أذرعها المسلحة في لبنان وسوريا والعراق. وتحول حزب الله إلى جيش لقمع عمليات المعارضة والنتيجة أنه هجر السوريين الى لبنان وخلق مزيدا من الازمات في المنطقة".
ورأى أن "حزب الله حزب لبناني ولكن سياسته لخدمة إيران. وأنا لا أظلمه، السيد حسن نصر الله كان يقر علنا بأن كل أموال الحزب واحتياجاته ممولة من إيران. أنا ضد استقواء أطراف على الآخرين بسلاحها وبانتماءاتها. المطلوب الآن ليس صراعا مع حزب الله، ولا يجوز أن نعتبر حزب الله، انتهى، حزب الله هو حزب لبناني، يجب أن يرجع للبنان بشروط الدولة اللبنانية، وأن ينضوي تحت الدولة اللبنانية، هذا خيار صعب وتنفيذه ليس سهلا لكنه الخيار الأفضل لأن الخيارات الأخرى أصعب وتعني المواجهة بين اللبنانيين وهو أمر مرفوض ونتيجة كارثية لا نريد الوصول إليها. البعض يقول إن إسرائيل خلصتنا من حزب الله وهذا كلام خاطئ ولا يجب قوله وإسرائيل تخدم فقط مصالحها".
واعتبر أن "السيناريو الذي يجب أن يكون تركيزنا عليه هو تطبيق القرار 1701، الذي أقر في عام 2006 وأقر بالإجماع من قبل أعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين، لكن حزب الله قام بكل الأعمال، خلافا للقرار 1701، وعلى الجانب الآخر إسرائيل من يوم 12 آب 2006 أمطرت لبنان في الجنوب بعشرات الألوف من القنابل العنقودية وبعدها استمرت في عدم تطبيق القرار. كان على حزب الله تطبيق القرار1901 ويكون اللبنانيون معه بالكامل دعما في مواجهة إسرائيل اليوم تطالب بتقديم ضمانات تتعدى على السيادة اللبنانية".
ولفت إلى أن "ما نمر به ليس أمرا سهلا، ما نواجهه يتطلب عملا وجهدا وطنيا طموحا وكبيرا لكن الخيار الاخر هو إبقاء لبنان في حالة فوضى تجر كل الشرور، التي يمكن أن تتأتى بنتائج وخيمة. هناك حاجة الى اعادة الدولة وان تكون صاحبة القرار وأن تكون مجمعة لكل اللبنانيين. يجب الارتقاء إلى مستوى ما توليه المصلحة اللبنانية والوطنية ويجب ان يرجع لبنان إلى حضن العرب وعلى كل العرب مساعدته والتضامن معه".
وأشار إلى أنه "لو جمعت كل ما تحتويه قواميس العالم من مصطلحات لن تكفي لوصف عدوانية اسرائيل. اسرائيل عدو ونقطة على السطر. وما تقوم به يحتاج الى تضافر الجهود لمقاومته وهناك وسائل عديدة. وانا اعتبر أمضى سلاح وأقوى سلاح لمواجهة إسرائيل هو وحدة لبنان الداخلية. في عام 2006 نجح لبنان في تجاوز الخلافات ومواجهة العدوان بالوحدة الوطنية بين اللبنانيين. وبفضل هذه الوحدة ألزمنا إسرائيل بالقرار 1701 وفرضنا عليها الانسحاب إلى الخط الأزرق. ونحن الآن عندنا خيار الدولة. حتى نستعيد علاقات لبنان العربية وعلاقات لبنان مع العالم".