تختلف التسمية التي تطلق على الاعلان الرسمي الدولي الذي ادى الى وقف المواجهات العسكرية المحتدمة بين حزب الله واسرائيل، فهناك من يطلق عليه وقف اطلاق النار، وهناك من يعتبره هدنة، وهناك من يشدد على انه وقف الاعمال العسكرية... اما النقطة المشتركة بين كل هذه التسميات، هي ان ما يحصل حالياً هو لفترة محدودة هي 60 يوماً، ستبقي الجميع في حال تأهب حتى قطع الشك باليقين.

وفي تقييم موضوعي لما شهده لبنان خلال الفترة السابقة، يمكن تسجيل الملاحظات التالية بالنسبة الى اخطاء وقع فيها حزب الله والتي لا تهدف الى النيل منه او تسجيل النقاط عليه، بقدر ما هي ملاحظات واستغراب يجب اخذ العبر منها:

-لم يكن على الحزب الدخول في معركة الاسناد من الاساس، وعلى الرغم من الاعتراف بأن النوايا الاسرائيلية سيئة جداً تجاه لبنان، وكان من الممكن والمقدر ان تتجه الاطماع الى لبنان بعد غزة، الا انه كان من الانسب ان يتحضّر الحزب جيداً للدفاع عن الاراضي اللبنانية في وجه الاسرائيليين، فكان حفظ قدراته التي تم استهدافها على مدى عام تقريباُ، ونفذ مخططاته بطريقة سليمة. وقد يعتبر البعض ان حرب الاسناد سحبت توقيت الحرب على لبنان من يد الاسرائيليين، ولكنه امر غير صحيح لانهم هم الذين اختاروا التوقيت واعلنوا الحرب الشاملة على لبنان.

-اظهرت الاحداث ان الاسرائيليين كانوا مجهزين استخباراتياً وعملياً لتوجيه ضربة قوية جداً الى الحزب، وهو ما اثبتته عملية تفجير "البايجر" والاغتيالات التي طالت الصف الاول في القيادة. اما اغتيال الامين العام السابق للحزب السيد حسن نصر الله، فكان ذروة اخطاء عدم التقدير الذي وقع فيه الحزب، لانه اعتبر ان الاسرائيليين لن يقدموا على هذه الخطوة او انهم لن يتمكنوا من النيل من رأس الحزب، فيما دخل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه المغامرة وقام بما لم يتوقعه احد، حتى كبار المسؤولين الاسرائيليين.

صحيح ان الحزب سارع الى النهوض من الضربة القاسية التي تلقاها، ولكن غياب السيد ليس كحضوره على الساحتين: العسكرية والسياسية.

-وقع الحزب في معضلة "تكبير الحجر"، فقد اوحى للمناصرين والمؤيدين انه قادر على نقل المعركة الى الداخل الاسرائيلي في حال شن العدو حرباً شاملة على لبنان، وانه قادر على استخدام انظمة دفاع جوية ناجحة لدفعه الى التفكير مرتين قبل شن الغارات، وانه سيضرب نقاطاً حساسة جداً في تل ابيب وغيرها من المناطق لفرض توازن الرعب اذا ما تم استهداف بيروت والمرافق والبنى التحتية اللبنانية. واذا ما صح الكلام عن "منع" الحزب من استخدام ما يملك من خطط واسلحة في ترسانته، فإن المصيبة كبيرة.

-اعتقد الحزب ان الاسرائيليين سينتفضون ضد نتنياهو سريعاً، خصوصاً حين يتصاعد عدد قتلاهم والجرحى والعيش بخوف وقلق من الصواريخ، ولكن حصل ما لم يكن في الحسبان، ولم ينتفض الاسرائيليون على رئيس وزرائهم الذي عرف كيف يعزز موقعه الداخلي.

-لم يكن الحزب يعتقد بأن نتنياهو سيبقى متفلتاً من كل العواقب والضغوط الدولية، وانه سيضطر الى تخفيف جنونه، الا ان جنون الاخير زاد عن حده وخرق كل التوقعات...

هذه ابرز الاخطاء التي وقع فيها الحزب، والتي زادت مهمته تعقيداً.

في المقابل، عاش نتنياهو نشوة النجاح واستفاد بالكامل من حسن حظه، خصوصاً في اغتيال السيد نصر الله لانه لو فشل في المهمة لكان هذا الامر سينعكس عليه بشكل بالغ السلبية حتى ان البعض كان يعتقد بأن حياته السياسية كانت انتهت في هذه اللحظة، حيث كان سيوقع على اتفاق وقف اطلاق النار ويواجه المشاكل الداخلية المتراكمة.

ولكن نشوة النجاح، فعلت فعلها فسكر نتنياهو واقدم على الخطأ الذي كان ينتظره الحزب، اي المعركة البرية. هذا الخطأ اعاد الى حزب الله اعتباره، وكسر التفوق التام لاسرائيل عبر السيطرة الجوية والاستخباراتية، فكانت كل الخطط العسكرية الاسرائيلية تسقط يوماً بعد يوم، وما كان يعتقد نتنياهو انه قادر على حسمه بأيام، تحوّل الى معضلة حقيقية وجد انها قد تتطلب شهوراً طويلة، فيما الوقت كان يداهمه وينخر من "انجازاته" التي كان يتبجّح لها. وبذلك، اعاد نتنياهو من حيث لا يدري، العافية الى الحزب الذي استعاد صورته وقدرته الميدانية على الرغم من كل الضربات التي تعرّض لها، والتي كان من شأنها ان تقضي عليه، لكنه افشل مخطط نتنياهو في الوصول الى هذه النتيجة، واستطاع الصمود والعمل على اعادة ترميم هيكليته وبنيته.