لم يكن مفاجئًا شنّ هيئة "تحرير الشام" المنبثقة عن جبهة "النصرة"، وهي أساسًا فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا، عمليّةً عسكريّةً ضدّ الجيش السوري والكُرد. كانت التّحضيرات قد انطلقت منذ شهور مضت، جرى خلالها وضع الخطط العسكريّة الهجوميّة للاستيلاء على حلب وريفها، وفصل مناطق القوّات الكُرديّة عن بعضها، لمنع قيام دولة كردية على حدود تركيا.

تأتي هذه التطورات الميدانية بعدما كان شهد الشمال السوري استقراراً نسبياً، نتيجة اتفاق الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين لتثبيت الهدنة في إدلب عام 2020، اثر نجاح واشنطن وأنقرة وموسكو في رسم الخطوط شرق الفرات.

ورغم محاولات اردوغان المتكررة للاتفاق مع الرئيس السوري بشار الاسد حول تطويق قوات "سوريا الديمقراطية"(قسد)، اي الكُرد، لكن دمشق استمهلت، ولم تعر طلبات الرئيس التركي اي اهتمام، لعدم رغبة الاسد في استفزاز الاميركيين والدول الخليجية الداعمين لمنظمة "قسد".

يقول مصدر مطّلع لـ"النشرة" أنّ الأتراك خططوا منذ بضعة اشهر للإمساك بالشمال السوري، وتحديداً حلب وريفها، إلى ان حان الوقت المناسب لهم، جرّاء انسحاب مقاتلي "حزب الله" من تلك المناطق، و زيادة الاستهدافات الإسرائيلية للمواقع العسكرية السورية والإيرانية التي انهكت السوريين والإيرانيين وحلفاءهم، وخصوصاً بعد استهداف مواقع لهم في ريف ادلب تحديداً منذ أسبوعين، وانشغال الاقليم بالحروب الاسرائيلية، ووجود فراغ في القرار والنفوذ الاميركي قبل تسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب السلطة في الولايات المتحدة، وقد سبق ان خطا الأتراك خطوات مشابهة في كل من ليبيا وإقليم ناغورني كاراباخ في أذربيجان.

وامام انسحاب الجيش السوري من حلب، وعدم حصول اشتباكات في المدينة، بدأت قواته تحتشد استعداداً لهجوم يستعيد من خلاله المناطق التي خسرها، بالتزامن مع خطوتين: غارات جوية روسية، وتقدم قوات "قسد" الكردية إلى جبهات القتال. لكن القرار سياسي وليس عسكرياً فحسب، بسبب تعقيدات المشهد، خصوصاً ان اي معارك ستكون فيها حلب ضحية مجدداً.

وتوحي المعطيات ان الأسابيع المقبلة ستكون حامية، لكن هل يجري تنظيم الخلاف ام يفرز معادلات جديدة؟ خصوصاً ان الاتراك يخوضون معركة عبر "النصرة" ضد حلفائهم الإيرانيين والروس من جهة الداعمين للجيش السوري، وضد الاميركيين والسعوديين الداعمين للكُرد من جهة ثانية.