بعيدًا عن تفاصيل الاتفاق الذي أنهى الحرب بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني 2024، بعد شهرين كاملين على عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد نصرالله في 27 أيلول 2024، وما أن وضعت الحرب أوزارها وانقشع غبار معاركها، حتى زحف أبناء الجنوب عائدين إلى منازلهم وقراهم منذ اللحظات الأولى لبدء سريان الاتفاق.

أبناء الجنوب اتخذوا القرار وحزموا أمتعتهم، وما بقي من ذكريات النزوح الأليمة، وعادوا وعلى وجوههم ترتسم ملامح النصر، وفي أعماق قلوبهم غصة الرحيل على من ضحّوا بدمائهم، وعلى رأسهم الأمين السيد نصرالله، الذي تحوّل إلى رمز لصمودهم وتضحياتهم.

وأبلغت مصادر سياسية "النشرة"، أن سرعة العودة وتواليها على مدى أيام، وإلى مختلف القرى والبلدات الجنوبية، رغم حجم الدمار والأضرار وتدمير البنى التحتية، أفشلت مخططًا إسرائيليًا في منعهم وجعل بلداتهم منطقة عازلة، ومحاولة استخدامهم ورقة ضغط جديدة، معتبرة أن الرد كان حاسمًا كما الحال في عام 2006، مع تغيير العبارة من "فداءك يا سيد نصرالله" إلى "اليوم فداء لروحك".

خروقات بالجملة

لكن العودة ا سريعة، ورغم إفشال المخطط، لم تكتمل، إذ نغّص جيش العدو الإسرائيلي على بعض العائدين فرحهم، وطلب منهم عدم العودة إلى المناطق التي يتواجدون فيها، وأكثر من ذلك طلب منهم عدم العودة إلى نحو 60 بلدة، وأكد أنه فرض منع التجول من الساعة الخامسة مساءً حتى السابعة صباحاً دون تبرير لهذا الطلب.

والمفارقة، وفقًا للمصادر السياسية، أن عددًا كبيرًا من هذه البلدات يقع شمالي نهر الليطاني، أي أنها غير مشمولة بتطبيق القرار الدولي 1701. كما أنها واصلت عمليات جرف الأراضي الزراعية في مدينة الخيام والقرى على تخوم الخط الأزرق، بهدف تحويلها إلى منطقة عازلة أو خالية من السكان على الأقل خلال مدة الـ60 يومًا التي حددها الاتفاق للانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية، إلى حين استكمال انتشار الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل" وبدء لجنة المراقبة عملها على الأرض.

وأكد محللون سياسيون عبر "النشرة" أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بالمنع وحظر التجول والتجريف، بل عمد إلى خرق الاتفاق منذ يومه الأول، حين أطلق النار على مجموعة من الصحافيين في بلدة الخيام، وشنّ غارات على منطقة بين البيسارية وتفاحتا في قضاء صيدا، وأطلق النار والقذائف المدفعية ورصاص الرشاشات على عدد من المناطق للترهيب.

وإذ أعربوا عن مخاوفهم من خطورة استمرار خرق القرار الدولي والعودة إلى الاستهدافات بواسطة الطائرات المسيّرة كما حصل في بلدة مركبا، رجحوا أن يكون الهدف أيضًا من منع عودة الأهالي إلى القرى الجنوبية مردّه إلى خشيتهم من تسلل عناصر حزب الله بين المدنيين العائدين، فيما دعا الجيش اللبناني المواطنين إلى التريث في العودة إلى القرى والبلدات الأمامية التي توغلت فيها قوات العدو الإسرائيلي، بانتظار انسحابها وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، تفاديًا لتعرضهم لأي مخاطر.

مشاهد مؤثرة

ميدانيًا، رصدت "النشرة" مشاهد مؤثرة لعودة النازحين الذين عادوا منذ اللحظات الأولى لوقف إطلاق النار، وشهدت الطرقات ازدحامًا كثيفًا، وخاصة عند مداخل المدن الرئيسية، لا سيما عاصمة الجنوب-صيدا وصور والنبطية. وقد كسر العائدون رتابة الانتظار في سيارتهم بسبب العجقة، وأطلقوا العنان لأبواق سياراتهم فرحًا رغم أثقال النزوح.

وامتلأت السيارات بالعائلات التي حملت ما استطاعت من أمتعتها، وميزتها الفرش والحرامات التي علت أسقفها، وبدت وكأنها انعكاس لحياة موقتة طُويت سريعًا، فيما رفرفت من نوافذها الأعلام اللبنانية. لم تكن العودة مجرد مسافة طريق، بل مسيرة من الأمل.

وعبّر النازحون عن فرحتهم بالعودة، ووصفوا ما جرى بالانتصار. وقال حسين سرور من صور: "إننا عائدون إلى منزلنا لنتفقده، وإن شاء الله يكون سليمًا، وإذا كان متضررًا سنعيد تأهيله سريعًا، وإذا تهدم سنقيم في خيمة حتى إشعار آخر". بينما أكدت رقية شعبان، وهي تستقل حافلة إلى جانب عائلتها: "فرحتنا لا توصف اليوم رغم عظيم التضحيات، ولكننا، كما في كل مرة، نعود مرفوعي الرأس".

أولويات المرحلة

وفي خطوة لتعزيز صمود عودة النازحين، بدت الأولوية في هذه المرحلة مركزة على البحث عن وجود ضحايا تحت الأنقاض وركام الدمار، بعد أن كانت العمليات تُجرى تحت الغارات والقصف الإسرائيلي وضمن وقت قصير، وذلك بعد بلاغات من بعض الأهالي والأقارب عن فقدان أشخاص من ذويهم.

أما الأولوية الثانية، فتمثلت في تأمين الخدمات الحياتية الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والبنى التحتية، لتعزيز صمود العائدين إلى منازلهم وقراهم.

وتتمثل الأولوية الثالثة في إزالة الركام ورفع الأنقاض، إضافة إلى إعادة فتح وتنظيف الطرقات لتسهيل حركة الناس بعدما صبّت الغارات الإسرائيلية حممها على المنازل والمحلات والمربعات السكنية، مُحدثةً دمارًا كبيرًا وهائلًا. فيما لفت الانتباه النشاط الميداني لنواب حركتي أمل وحزب الله في مختلف مناطق الجنوب إلى جانب الأهالي.