ستّون يومًا… وكأنها ستّون عامًا من الموت البطيء. ستّون يومًا من العدوان الإسرائيلي الذي ترك كل زاوية من هذا الوطن تنزف. الضحايا بالآلاف، والجرحى يصرخون من ألم الجراح، والأمهات يُمزّقن ثيابهن من لوعة الفقد. أطفالٌ تنظر أعينهم البريئة إلى الفراغ، تسأل بلا إجابة: “أين أمي؟ أين أبي؟ لماذا تركوني؟”. أطفالٌ صاروا فجأة بلا طفولة، بلا أحلام، بلا حياة.
كيف أشرح لطفل رأى والدَيه يدفنان تحت الأنقاض أن المستقبل قد يحمل سلامًا؟ كيف أواسي أمًّا تحتضن صورة ابنها الوحيد الذي لم تُكمل ملامحه بعدُ رحلتها نحو الرجولة؟ كيف أصف لقريةٍ أزيلت عن خريطة الوطن أن الذكرى وحدها قد تكون كافية للبقاء؟.
آه يا وطن، بيوتُك صارت ركامًا، أبوابها تُرِكت مشرّعةً للريح، والجدران التي كانت تحمي الضحكات، باتت شاهدةً صامتة على أبشع الجرائم. معالمك الأثرية التي كانت تحكي للعالم تاريخك، طُمست تحت الركام، وكأنّ هويتك تُمحى عمدًا.
هذه ليست حربًا فقط، إنها إبادة. إنها خيانة لكلّ ما تعنيه الإنسانية. إنها لحظة موت لكلّ حلمٍ كبر في هذا الوطن. كلّ ركنٍ من أرضك يصرخ: كفى! إلى متى سنبقى وقودًا لحروب الآخرين؟ إلى متى سيظلّ سلاحنا في يد غيرنا، ودماؤنا ثمنًا لصراعات لا تعنينا؟
آه يا وطني، تعبنا… تعبنا من الحداد، من العدّ على أصابعنا من بقي ومن رحل. تعبنا من أخبار الموت التي تأتي كل ساعة، من انتظار اللحظة التالية التي ستسرق منا من نحب.
نحن شعب يحب الحياة، رغم أن الموت يطاردنا. نحن شعب يعشق الحرية، رغم أن القيود لا تفارق معاصمنا. انظروا إلى العالم من حولنا، إلى دولٍ لا تعرف طعم المعاناة. أين هم وأين نحن؟ نحن شعب صمد رغم كلّ شيء، لكنه بات يُصارع للبقاء.
آه يا وطن، أسمع صرختك في كلّ حجر من ترابك، في كلّ قطرة دم سفكت على أرضك. كلّ شجرة مزّقتها الحرب تئن، كلّ جدار تهدّم يبكي بصمت.
إذا كنتم عاجزين عن إنقاذنا، فاتركونا نحلم. اتركوا لنا حقّ بناء وطن نحبه، وطن نعيش فيه دون خوفٍ من الغد، وطن يليق بحبنا للحياة.
آه يا وطن، آه يا جرحًا ينزف بلا نهاية…