على الرغم من كل ما قيل بالامس حين شهد اتفاق الهدنة على الجبهة الجنوبية للبنان خرقاً هو الاخطر منذ وضعه موضع التنفيذ، تمثل برد حزب الله على الخروقات العديدة التي ارتكبتها اسرائيل باعتراف الجميع، بمن فيهم الاميركيين، الا ان ما حصل لم يكن خارج التوقعات، وحتى ما تبعه بقي ضمن المقبول، مع العلم ان استشهاد مدنيين وتدمير منازل وممتلكات هو غير مقبول، الا انه للاسف بات امراً واقعاً لا يمكن تغييره حتى الآن.
التصعيد الذي حصل، هدف منه الحزب الى ايصال رسالتين: الاولى الى مناصريه ومؤيديه الذين امتعضوا واستاؤوا من سكوته على الخروقات اليومية للاسرائيليين في المناطق الجنوبية واستمرار منع السكان من العودة الى قراهم وبلداتهم، وتفويت انتصار الرغبة اللبنانية على العودة في ظل تلكؤ المستوطنين عن العودة الى منازلهم. وأراد الحزب القول لبيئته انه لا يزال قوياً، وبالتالي زيادة المعنويات وشد العصب حوله.
الرسالة الثانية التي اراد حزب الله ايصالها كانت للخارج، ومفادها ان التباطؤ في الاجراءات المقررة لقيام لجنة المراقبة في عملها وبدء انتشار الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل" والذي يعني عملياً بداية مسار انسحاب الاسرائيليين من الاراضي اللبنانية، سيعني تهديداً للاتفاق بغض النظر عن رغبة الطرفين (اي الحزب واسرائيل) في البناء عليه للانطلاق في مسار جديد يحتاجه الطرفان بشكل عاجل وجدّي.
ومن المرتقب انه في ظل وصول اعضاء اللجنة والاسراع في توليها مسؤولياتها، سيخف الضغط تدريجياً وتتعزّز فرص النجاح اكثر فأكثر للخطط الموضوعة لتفعيل الاتفاق. مع الاشارة الى ان الكلام المتزايد عن قرب التوصل الى اتفاق في غزة، يعني حكماً تحصين الاتفاق في لبنان.
على خط آخر، يبدو واضحاً ان الحزب أُعفيَ من فتح جبهة جديدة عنوانها "اسناد سوريا"، لانه بعد عدم نجاح عملية "اسناد غزة"، وفي ظل الضربات التي تعرض لها والتي يحتاج الى وقت غير قصير للتعافي منها، لم يعد بمقدوره ان يلعب دور "بيضة القبّان" في سوريا، وهو الدور الذي اضطلع به وأداه بنجاح في السابق، تاركاً المسألة للايرانيين والتحركات الروسية، مع تواجد معنوي بسيط لن يؤثر كما في السابق على مسار المواجهات بين السلطات السورية والفصائل المسلحة المتفرقة.
هذا الامر ان دلّ على شيء، فعلى ان حضور الحزب على الساحة الاقليمية تراجع، بعد ان كان محورياً، وهو امر طبيعي في ظل الهجمة الشرسة والكبيرة التي تعرض لها على مدى اكثر من شهرين بشكل غير مسبوق، والاساليب التي تم استعمالها لاول مرة وشكّلت سابقة خطيرة في التعاطي (وأهمها تفجير "البايجر" واغتيال الامين العام السابق للحزب السيد حسن نصر الله)، والتي تركت الحزب في نكسة يقول الامين العام الحالي للحزب الشيخ نعيم قاسم انها استمرت 10 ايام، فيما يبدو ان تداعياتها لا تزال حاضرة على اكثر من صعيد.
لذلك، فإن تحرك حزب الله اساسيّ بالنسبة اليه، وهو يأتي ضمن سياق خطة موضوعة لاستعادة الحضور على الساحتين العسكرية والسياسية في الداخل واقليمياً، من الطبيعي ان تبدأ من الداخل (عبر اثبات الوجود باطلاق صاروخين في اتجاه بقعة محددة عسكرية صرف تعتبر ضمن الاراضي اللبنانية المتنازع عليها- مزارع شبعا)، وعبر التحرك السياسي المرتقب في موضوع انتخاب رئيس للجمهورية، اذ لن يرضى الحزب بأن تكون التضحية بمرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، مجانية، بل سيقابله برفض مرشحين آخرين مدعومين من قوى دولية ومحلية تعارضه وسياساته، ليكون التوجه نحو انتخاب رئيس توافقي يرضي الجميع.