منذ توقيع الإتفاق السعودي الإيراني، برعاية صينية، طُرحت الكثير من علامات الإستفهام حول مصير الملفات المشتركة بينهما، لا سيما أنها تشمل مجموعة من الساحات التي يتشاركان النفوذ فيها، إلا أن الأساس كان دوزنة العلاقات الثنائية بشكل لا يؤدي إلى التهدئة بينهما.
حتى الآن، لا يمكن الحديث عن إنجاز أي ملف بشكل كامل، حيث من الممكن الإشارة، على سبيل المثال، إلى الملفين اليمني واللبناني، بينما باقي الملفات كانت قد شهدت تهدئة، خصوصاً على مستوى التراشق الإعلامي، في ظل رغبة واضحة لدى الجانب السعودي بالتركيز على مشاريع التنمية الاقتصادية.
في الوقت الراهن، تعود الأسئلة الكبرى في ظل مشهد إعادة ترتيب الأوضاع على مستوى المنطقة، الأمر الذي يتطلب العودة إلى المسار الذي كان قائماً في الأشهر الماضية، تحديداً بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان، حيث برز السعي إلى التنسيق من الجانبين السعودي والإيراني.
قبل السابع من تشرين الأول من العام 2023، كان الجميع ينتظر تداعيات ما كان يُرسم حول إتفاق لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، برعاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، على العلاقات بين الرياض وطهران. إلا أن عملية "طوفان الأقصى" أعادت عقارب الساعة إلى الوراء، خصوصاً أن السعودية وضعت بعض الشروط غير المقبولة، حتى الآن، من قبل تل أبيب، للوصول إلى التطبيع، تحديداً ما يتعلق منها بكيفية حل القضية الفلسطينية.
في ظل التطورات المتسارعة التي تلت هذا الحدث، كان من اللافت إرتفاع مستوى التنسيق السعودي الإيراني، خصوصاً عبر الإجتماعات التي عقدتها منظمة التعاون الإسلامي، حيث من الممكن الإشارة إلى ما ورد في بعض الصحف العبرية، بالنسبة إلى إنتقاد المواقف التي تصدر عن الرياض، الأمر الذي يعود، بالدرجة الأولى، إلى حجم المجازر التي ارتكبتها تل أبيب في غزة، في حين كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد دعا المجتمع الدولي، في كلمته خلال القمة العربية الإسلامية الماضية، إلى أن يُلزم إسرائيل "باحترام سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة، وعدم الاعتداء على أراضيها".
هنا، قد يعتبر البعض أنه كان من مصلحة السعودية، في ظل الضربات التي كان يتعرض لها حلفاء طهران في المنطقة، لا سيما حركة "حماس" و"حزب الله"، أن تبادر إلى التصعيد في وجه إيران، لكن الأمر كان من الممكن أن يؤدي إلى توترات تطال منطقة الخليج برمتها، خصوصاً أن مخاطر التحول نحو حرب شاملة على مستوى المنطقة كانت حاضرة، ما يؤدي إلى ضرب مشاريع التنمية الإقتصادية التي تركز عليها الرياض.
إنطلاقاً من ذلك، من الممكن قراءة المشهد على مستوى العلاقات السعودية الإيرانية، في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل الضبابية التي تسيطر على الواقع العام، حيث أن الجميع ينتظر ولاية دونالد ترامب الثانية، مع المؤشرات الأولية المؤكّدة أن الرجل سيسعى إلى إعادة تفعيل مشاريع التطبيع، التي كانت قد برزت في الأشهر الأخيرة من ولايته الأولى، إلى جانب التركيز على ما يمكن أن يفعله بالنسبة إلى الواقع في قطاع غزة والضفة الغربية، بعد التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان.
في هذا المجال، هناك نقطة لا ينبغي تجاهلها تكمن بأن الرياض لا تستطيع أن تبادر إلى إتفاق تطبيع مع تل أبيب، من دون تحقيق الحد الأدنى من الشروط التي تراها ضرورية، بسبب التداعيات المترتّبة على ذلك، بالنسبة إلى الواقع في العالم الإسلامي، تحديداً على مستوى الزعامة التي تسعى للمحافظة عليها، بينما هي تدرك أن الضغوط التي يفرضها وجود ترامب في السلطة ستكون أكبر.
في المقابل، يبدو أن الجانب الإيراني لا يزال في مرحلة إحتواء الواقع المستجد على المستوى المنطقة، بإنتظار ما سيحصل على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة، وبالتالي من مصلحته عدم العودة إلى مرحلة التوتر في العلاقة مع الرياض، التي كانت قد سبقت الإتفاق الذي حصل برعاية الصين، خصوصاً أن المواجهة القائمة على مستوى إضعاف نفوذه الإقليمي لا تزال مستمرة في أكثر من ساحة.
على هذا الصعيد، هناك ملفات أخرى قد تتقاطع المصالح السعودية الإيرانية حولها، بشكل مباشر أو غير مباشر، منها على سبيل المثال الواقع المستجد على الساحة السورية، خصوصاً أن ما يهم الرياض هو الزعامة على مستوى الجزء السنّي من العالم الإسلامي، حيث التنافس على النفوذ مع أنقرة لا مع طهران، من دون تجاهل المخاطر الناجمة، من وجهة نظرها، من إمكانيّة عودة حركات الإسلام السياسي إلى الواجهة، ما يبرر، من حيث المبدأ، المواقف الداعمة للحكومة السوريّة.
في المحصلة، لن تخرج المنطقة من مرحلة إعادة ترتيب مشهدها في السنوات المقبلة، لا سيما أن الجميع ينتظر تسلم إدارة ترامب السلطة بشكل رسمي، بالرغم من المؤشرات القائمة على مستوى العلاقة بين بعض اللاعبين الإقليميين، لكن الأمور قد تتبدل بناء على التطورات التي قد تحصل، خصوصاً أن سرعة التحولات، في الفترة الحالية، لا يمكن الإستهانة بها.