بعد أن بادر إلى طرح معادلة التطبيع مع الرئيس السوري بشار الأسد، في أكثر من مناسبة، قرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العودة إلى بدايات الأحداث في سوريا في العام 2011، حين كان يطمح إلى الصلاة في الجامع الأموي في دمشق، مستفيداً من تقدم المجموعات المسلحة المدعومة من قبله، مشيراً إلى أن وجهتها العاصمة السورية، قبل يوم واحد من إجتماع الدول المشاركة في مسار أستانة، أي روسيا وإيران وتركيا، في العاصمة القطرية الدوحة.
في هذا السياق، تُطرح الكثير من الأسئلة، من جديد، حول جدية ما يطمح إليه أردوغان في الوقت الراهن، خصوصاً أن الساحة السورية تعج بالتناقضات على مستوى تداخل نفوذ العديد من الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة، الأمر الذي من المتوقع أن يقود إلى معارك عسكرية عنيفة وطويلة، في حال لم يحضر الحل السياسي في وقت قريب.
في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الرئيس التركي نجح في الإستفادة من التحولات القائمة على مستوى المنطقة، من أجل أن يبادر إلى هذا الهجوم الكبير بهدف توسيع رقعة نفوذه على الساحة السورية، خصوصاً في ظل إنشغال الجانب الروسي بالحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى إنشغال الجانب الإيراني في مسار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان.
وتلفت هذه المصادر إلى أنّ أردوغان كان يوحي بأنه يقف في وجه الإعتداءات الإسرائيلية، لكن القوى المسلحة المدعومة من بلاده لم تتأخر، بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار في لبنان، عن إستكمال ما كانت تطمح إليه تل أبيب من الناحية العملية، عبر السعي إلى قطع طرق إمداد "حزب الله" التي تمر عبر الأراضي السوريّة، الأمر الذي لا يمكن أن يتمّ من دون التحضير له على مدى أشهر طويلة، في حين أن إسرائيل، من خلال الهجمات التي تقوم بها في الداخل السوري، تمد يد العون للفصائل المسلحة.
وترى المصادر نفسها أنّ من الأمور اللافتة على هذا الصعيد هو الإعتماد على هيئة "تحرير الشام" في العمليات العسكريّة، بشكل أساسي، بعد الجهود التي بذلت لتلميع صورة قائدها أبو محمد الجولاني، الذي كان قد ظهر، في الساعات الماضية، على شبكة "سي إن إن" الأميركية، بالرغم من أنه لا يزال مصنفاً إرهابياً في الولايات المتحدة، ما يؤكد أن واشنطن ليست بعيدة عن هذا التوجه، بل شريكة فيه.
ما تقدم على هذا الصعيد، يقود إلى مجموعة من الأسئلة حول موقف حلفاء دمشق مما يحصل، تحديداً روسيا وإيران، لا سيما أنّ الخطوات التي بادروا إليها، حتى الآن، لا ترتقي إلى المستوى المطلوب، فهل هم في وارد التخلّي عما تحقّق في السنوات الماضية، مع ما يعني ذلك من خسارة كل الجهود التي بذلت على هذا الصعيد؟.
بالنسبة إلى المصادر السياسية المتابعة، الجواب على هذا السؤال يتوقف على مسار الأمور في الأيام المقبلة، لكن من الواضح أن هناك رهاناً كبيراً على المسار الدبلوماسي، الذي من المفترض أن تكون أولى مؤشراته اليوم خلال الإجتماع الذي سيعقد في الدوحة، خصوصاً أن هناك مصالح كبرى تجمعهم مع أنقرة، لكن الأكيد أن السقف التركي أعلى من الماضي، بالرغم من أن طموح أردوغان، بحسب ما تؤكد، مبالغ فيه، خصوصاً أنه سيقوده إلى الصدام مع العديد من الجهات الإقليمية والدولية، وتسأل: "هل توافق الدول العربية الفاعلة على هذا المسار، الذي سيعيد حركات الإسلام السياسي إلى الواجهة، أم سيكون لها مواقف أخرى"؟.
في المحصلة، تشدد هذه المصادر على أنّ ما يحصل على الساحة السورية لا ينفصل عن مسار إعادة ترتيب المشهد في المنطقة، الذي بدأ تحديداً مع توسع العدوان على لبنان، من دون أن يملك أحد القدرة على رسم الصورة النهائية التي سيكون عليها، حيث من الممكن الحديث عن أن الأمور مفتوحة على كافة الإحتمالات، من دون تجاهل إحتمال حصول مفاجآت كبرى في أي لحظة.