هو المُستَحيلُ، وَتِلكَ حَقيقَتُهُ لبنانُ.

واقِفٌ وَسطَ تَعاقُبِ الأنظِمَةِ وإنهياراتِها، وَتَرامي الطُغيانِ وَتَبعَثُراتِهِ. أهوَ كالزَمَنِ بَينَ عَقرَبَينِ لا يَلِدانَ الوَقتَ؟ أهوَ الوَلودُ كالمَساحَةِ الكاسِرَةِ المُراوَحَةَ؟ هو العُمرُ-الَلحظَةُ الفاصِلُ بَينَ النورِ وَتَراكُمِ الظُلُماتِ، وَهو المَدى-العُمُرُ الجامِعُ بَينَ إرادَةِ القِفلِ، وَتَحَرُّرِ التَوكيدِ.

لا يَستَطيعُ أن يُبغِضَ لِأَنَّهُ يُحِبُّ. وَيُحِبُّ لِأَنَّهُ يُعطي. إذاً اللهُ مَوجودٌ مِنهُ. الأنظمَةُ الطامِعَةُ بِهِ، مِن حَولِهِ، والطُغيانُ المُحدِقُ بِهِ، مِن زيفِ طُمأنينَتِهِمِ على ذاتِهِمِ... لا يَستَطيعونَ إلَّا أن يُبغِضوا لِأَنَّهم لا يُحِبُّونَ. وَلا يُحِبُّونَ لِأَنَّهم لا يُعطونَ بَل يُبيدونَ ليأخُذوا. إذاً اللهُ شَهيدُهُمُ الأَوَّلُ، يَليهِ في التَساوي الإنسانُ. هِبَتُهُمُ الموَتُ، وَفي ذَلِكَ مِراسُ غَصبِهِمِ.

هو يَعرِفُها تِلكَ الأنظِمَةُ المُتَعاقِبَةُ. هي ذاتُها بِأسماءَ مُتَبَدِّلَةٍ. إختَبَرَ سَرائِرَ طُغيانِها. تَفَرَّسَ بإيديولوجِيَّاتِها. بإستِهاناتِها وإنكاراتِها. هي لِذاتِها، دائِماً مُنتَصِرَةٌ وإن داسَتها هَزائِمٌ بَعضُها على بَعضٍ. سِماتُها شَرقِيَّةٌ، مُتَمَنطِقَةٌ بِوقاحاتٍ مُتَغَرِّبَةٍ. نابِتَةٌ مِنَ الغامِضِ. بالمِجانِ تَقتُلُ. وَلِلمَجانِ تُبيدُ. لَها.

هو المُستَحيلُ لبنانُ، وُتِلكَ حَقيقَتُهُ.

واقِفٌ لِتَهافُتِ عُقودٍ وَتَبَدُّلِ حُدودٍ، وَحيداً كَمالَ الحَياةِ. رُغماً عَن بأسِ الطُغيانِ، وَرُغماً عَن مِراسِ الأنظِمَةِ الطائِفَةِ بِبَطشِهِ. أقَوسُ نَصرٍ؟ بَل هوَذا الرَجُلُ! هي تَنقَضي غُباراً يَنهَمِرُ طَمساً لِقَهرٍ وَتَحَسُّراتٍ. وَهو في إمتِشاقِ الهَواءِ نَشوَتُهُ.

هوَذا لبنانُ الرَجُلً! وَحدَهُ الحَقيقَةُ. هوَذا نَقيضُ الخَيباتِ. أبَداً آتٍ الى أجيالِ الخَيباتِ بِمَجَّانِيَّةِ الوَهبِ. لا لِقياسِ الرِياءِ وَإفرازاتِهِ، بَل لِدَحرِهِ بِصِدقِهِ. وَلا يَلينُ. لا يَخسَرُ، وَلا يَلينُ. عَقلُهُ عَقلُ رَجُلٍ، وَغُفرانُهُ قَلبُ طِفلٍ.

لا حُدودَ لِمُستَحيلِهِ، لا في الزَمَنِ وَلا في المَدى، لا في العُمُقِ وَلا في العُلوِّ. في دائِرَةِ النارِ، حَيثُ هو، لبنانُ إنهِمارُ تَكثيفِ المُنتَهى، حينَ الإنظِمَةُ حَولَهُ بِطُغيانِها، تِمَزُّقاً وَتَمزيقاً قَومِيَّاً لِما يُرى وَما لا يُرى... تآمُراً، مُنَسَّقاً، مُتًبادًلاً، على اللامألوفِ والمألوفِ مَعاً.

وَلَعُ الوَقفَةِ

المُستَحيلُ لبنانُ. في المَدى القَحِلِ هو الرؤيا. وَفي الهُنَيهَةِ الظَلماءِ هو الرؤيَةُ.

طُغيانُ الأنظِمَةِ المُحيطَةِ بِهِ تَرَبُّصاً، مِن حُدودِ المَشرِقِ لِمَطالِعَ التَغَرُّبِ مُهَروِلَةٌ الى قُبورٍ، مُتَجلبِبٌ بِبُرَكِ دِماءٍ بَريئَةٍ، بأسماءِ مَسجونينَ قَسراً مِن دونِ ذَنبِ سِوى مواجَهَتِهِ بِحَقِّها. بالصَلبِ، بالسُمِّ، بالنارِ شُمولِيَّةُ غَياهِبِهِ... المُنتَهِيَةِ الى عِشقِ صالِبيها، وَجَلَّاديها، وَمُعليها.

لبنانُ، وَحدَهُ، وَلَعٌ. في ظُلمِهِمِ يَتَحَدَّاها بِهِ تِلكَ الأنظِمَةِ. وَوَلَعُهُ صَوتُ اللهِ. ضَميرُهُ. وَثَّقَهُ حَبَقوقُ، نَبيُّ الوَعدِ لِزَمَنِ كُلِّ ميعادٍ مِن شَرقٍ لِغَربٍ، وَمَدى الميعادِ مِن غَربٍ لِشَرقٍ، إنذاراً إلَهِيَّاً: "قَد شَبِعتَ هَواناً بَدَلَ المَجدِ (...) فإنَّ كأسَ يَمينِ الرَبِّ تَنقَلِبُ عَلَيكَ وَيَنقَلِبُ العارُ على مَجدِكَ. لِأنَّ العُنفَ بِلبنانَ يُغَطِّيكَ (...) بِسَبَبِ دِماءِ البَشَرِ والعُنفِ بالأرضِ وَبالمَدينَةِ وَجَميعِ الساكِنينَ فيها" (حَبَقوقُ 2/16-17).

لبنانُ، وَحدَهُ وَلَعُ الوَقفَةِ. قُوَّةُ اللهِ بِوَجهِ هَراءِ أنظِمَةِ الطُغيانِ... المُستَتِرَةِ بالتَألُّهِ، المُصادِرَةِ لِتَولِيَةِ اللهِ، الراجِمَةِ لاحُدودَ الأُلوهَةِ بِجُدرانِ المُعتَقَلاتِ. بِحُدودِ المَوتِ.

لا! لا يَفنى الزَمَنُ بِفَناءِ قَيمومَةِ طُغاةِ الأنظِمَةِ المُبيدَةِ. يَفنى زَمانُهُمُ بالسَرابِ... إن شاءَ لبنانُ. وإن لَم يَشَأ يَبقَونَ عارَ كُلِّ مَدىً وكُلِّ زَمَنٍ ، في ذاكَ القَعرِ المُسَمَّى جَهَنَّمَ، حَيثُ يَسقُطُ المائِتونَ عَن عَجزٍ إذ أبَوا أن تَختَرِقَ كَيانَهُم هُنَيهَةُ حَقيقَةِ لبنانَ.

أجَل! لِلبنانَ وَحدَهُ ريادَةُ السَماءِ. ضَرورَةُ الحَقيقَةِ في إختِمارِ التَجرِبَةِ.

هو المُستَحيلُ، وَتِلكَ حَقيقَتُهُ لبنانُ.