يُشبه الوضع في لُبنان، بعد وقف إطلاق النار "الستيني" في أيامه، انطلاق المُتسابقين في سباق "الماراثون". هُم ينطلقون مُتحاشين أن يُفرغوا كُل طاقتهم منذ بداية السباق، لأنهم يُوفرونها إلى حين الاقتراب من الوصول إلى نهاية السباق!.

ولكن المسؤولين في لبنان، مُجبرون على هذه "الاستراتيجية"، لانعدام الرُؤية والخُطط، وتاليا لانتفاء إمكانات إعمار ما تهدم!.

والحال نفسها تنطبق على سد الفراغ الرئاسي، الذي يبدو أسهل إنجازا من ترميم الحجر...

أضرار مَهولة

خلفت الحرب الإسرائيلية على لبنان، ملايين الأطنان من حُطام الأبنية المُدمرة كُليا أو جُزئيا، ضمنها نحو 8 ملايين طن في مُحافظتي الجنوب والنبطية وحدهما، نتجت عن استهداف نحو 15،633 مبنى كُليا أو جُزئيا، أو ما يُشكل نحو 6،6 % من مُجمل المباني القائمة قبل الحرب في هاتين المُحافظتين.

هذا ما خلص إليه "تقييم من بُعد"، أجراه "برنامج الأُمم المُتحدة للمُستوطنات البشرية في لُبنان"، و"جامعة البلمند"، ومركز "البحث البيئي – المساحة المتوسطية الشرقية في جامعة القديس يوسف"، عبر تحليل، ومُقارنة صُور مُلتقطة عبر الأقمار الاصطناعية، للفترة المُمتدة من تشرين الأول 2023، وحتى 5 تشرين الثاني 2024، علما أن الفترة المُتبقية من تشرين الثاني، قبل التوصُل إلى إتفاق وقف إطلاق النار، شهدت استمرار تصعيد العُدوان الإسرائيلي على لُبنان، وبوتيرة مُشابهة لما شهدته البلاد مُنذ أيلول 2024.

وبحسب الجهات الباحثة، يُعتبر هذا التحليل أوليا، ولم يتم التحقُق منه ميدانيا. وهو - إلى ذلك - لا يشمل الأضرار الطفيفة، نظرا إلى عدم قُدرة صور الأقمار الاصطناعية ذات الدقة المُتوسطة المدى على اكتشافها. وكذلك لا يشمل بعضا من حالات التدمير الكُلي أو الجُزئي، وبخاصة إذا احتفظت الأسطُح بشكلها الأصلي، ما أثر على دقة تحديد عدد المباني المُتضررة، وبالتالي كمية الحُطام.

يُبين التقييم أن نحو 15،633 مبنى دُمرَت كُليا أو جُزئيا، في الأقضية السبعة التي تتألف منها مُحافظتا الجنوب والنبطية. علما أن 93،9 % من هذه المباني (أو 14،685 مبنى) موجودة في ثلاثة أقضية وهي: مرجعيون، وبنت جبيل وصور، فيما تتوزع النسبة الباقية على أقضية النبطية، وحاصبيا، وصيدا، وجزين...

وبحسب التقييم أيضا، تضم المباني المُدمرة كليا أو جزئيا في محافظتي الجنوب والنبطية نحو 33,448 وحدة، أي أكثر من ربع الوحدات السكنية التي دُمرت أو تضررت في حرب تموز 2006، والتي بلغ عددها نحو 130،000 وحدة في كُل المناطق المُستهدفة حينها وضمنها نحو 50،000 وحدة في الضاحية الجنوبية لبيروت...

هدية قاسم

واستنتاجا، فإن "الهدية" التي أعلن عنها الأمين العام لـ"حزب الله"، الشيخ نعيم قاسم، في كلمته الأخيرة، الخميس الماضي، بصرف حوالي 77 مليون دولار، للعائلات النازحة، هي بالفعل "هدية" متواضغة قياسا بهَوْل الخسائر المادية، مع تسجيل أن "إعادة الإعمار، وعد والتزام من حزب الله".

وتاليا فالمُساعدات بقيمة 300 إلى 400 دولار، إلى العائلات الفردية، في تشرين الثاني الماضي، هي بدورها، "جزء من هدية من الحزب وإيران"، على ما قال قاسم، وتأتي "بهدف الإيواء" راهنا. وقد اشترك فيها كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دولةً وشعبًا، والحرس الثوري الإيراني، والعراق، والحشد الشعبي فيه، واليمَن، وأنصار الله" هناك.

ضرورة انتخاب الرئيس

وفي المُقابل، يتنامى الحديث في الإعلام، عن أن "ورشة الإعمار" لن تبدأ قبل انتخاب رئيس للجُمهورية. فالحوار الوطني هو الرافعة لمشروع النهضة المالية والاقتصادية والاجتماعية، ما يُؤسس لسياسة إنقاذية وإصلاحية، إدارية ومالية .

ويُؤمل في هذا الإطار، في تخصيص مُساعدات من الدُول الصديقة، بعد انتخاب رئيس للجُمهورية، بهدف دعم البلدات التي دُمرت.

كما ويدور الحديث اليوم، عن إقامة بُيوت جاهزة لإعادة النازحين إلى قُراهُم، ليعيشوا بكرامة كخُطوة أولى في إعادة الإعمار.

وكُل ما يمكن للدولة القيام به، تجاه المؤسسات الخاصة التي تضررت جراء الحرب، هو تخفيف الأعباء عنها عبر خفض الضرائب وتطويل مهل الاستيفاء.

مُرشحون...

وفي السياق الرئاسي، كشفت مصادر صحافية، بعض أسماء المُرشحين إلى الرئاسة الأولى، مع التركيز على أربعة أسماء وهُم: النائب ابراهيم كنعان، اللواء الياس البيسري، العميد جورج خوري والنائب نعمة افرام.

وأشارت إلى أن النائب كنعان هو الأوفر حظا حتى الساعة، انطلاقا من كونه نائبا، وربطا بتأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري، بحسب أوساطه، أن الرئيس المُقبل سيكون من رحم المجلس النيابي.

كما وأن كنعان هو الأكثر انفتاحا على مُختلف المُكونات اللُبنانية. وهو -إلى ذلك- تشريعي من الطراز الرفيع، وهذا ما يحتاج إليه لُبنان الآن من مواصفات رئاسية.

وبحسب المصادر نفسها، يستطيع كنعان، من خلال علاقاته الدولية، إعادة تفعيل الديبلوماسية اللبنانية، وهو مسألة جد مهمة للُبنان اليوم.

حتى الساعة، تبقى عين لبنان على رفع الأنقاض، وعينه الأُخرى على سد الفراغ. وكُل ما يأمله اللُبنانيون... ألا تكون "العين بصيرة واليد قصيرة"!.