نقترب شيئًا فشيئًا من عيد الميلاد المجيد، عيد ظهور الله في الجسد. فلا بدّ لنا من إعادة التذكير بنقاط مهمّة تتعلّق بالعيد.

صاحب العيد هو الرّبّ يسوع المسيح، الإله الواحد في الجوهر الإلهيّ مع الآب والروح القدس، وثلاثتهم إله واحد، من دون أي فرق زمنيّ في الوجود. مثل الشمس وشعاعها وحرارتها، والنور والنار والحرارة في شعلة الشمعة. لهذا نقول عن يسوع في دستور الإيمان[1] إنّه مولود غير مخلوق لأنّه الإله الذي تجسّد، وكان موجودًا قبل أن يصبح إنسانًا.

لم يكن تجسّد الرّبّ مفاجأة لأنّ العهد القديم مليء بالنبوءات عن مجيء المخلصّ الإلهيّ إلينا. على سبيل المثال: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ" (إشعياء ٦:٩). نلاحظ جليًّا أنّ الألوهة مذكورة في الآية.

كلمة ابن تشير إلى الجوهر، بمعنى أنّ يسوع هو إله. فالمعنى حقيقيّ وليس مجازيًّا، بنوّته إلهيّة وليست بالتبنّي أو بالحلوليّة. وقد أوضح الرّبّ يسوع المسيح ذلك مرارًا. مثلًا: "اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ" (يوحنّا 9:14)، و"أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يوحنّا 10: 30). وعلى هذا الأساس حاكَم اليهود الربّ، فعندما سأل رئيس الكهنة يسوع: "أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ"؟ أجابه: "أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ"(مرقس 61:14-62). عندها مزّق رئيس الكهنة ثيابه متّهمًا يسوع بالتجديف.

وكلمة المسيح وعبارة ابن الإنسان عند اليهود مذكورة في النبوءات (دانيال 13:7-14- 25:9-26) وتشير إلى الألوهة والمخلّص الآتي من فوق، والمبارك هو الله. لهذا بدأ متّى الإنجيلي إنجيله مخاطبًا اليهود: "كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ" (متّى 1:1).

كذلك قال أندراوس لأخيه سِمْعَانَ «قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ." (يوحنّا 41:1)، وإعلان بطرس للربّ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!» (متّى 16:16). وقد أثنى يسوع على جوابه: "طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ"(متّى 17:16).

اسم يسوع كنعانيّ–آراميّ–عبريّ مؤلّف من "يهوه" أي الكائن–الحياة–الله– و"يشع" أي يخلّص فيكون يهوشع– يشوع–يسوع ومعناه الله يخلّص.

هذا ما قاله الله لموسى عن اسمه (خروج 15:3). وهذا ما قاله الملاك ليوسف خطّيب مريم: "فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُم." (متّى 21:1).

وأيضًا ما قاله يسوع لليهود: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يوحنّا 58:8). لهذا، نشاهد في أيقونات المسيح ثلاثة أحرف يونانيّة خلف رأسه ضمن هالة القداسة التي يوجد فيها صليب: O W N وتعني الكائن.

ظَهَرَ ملاكُ الرّبّ ليوسف خطّيب في حُلْمٍ مؤكّدًا له أنّ حبَل مريم العذراء إلهيّ من الروح القدس مذكّرًا إيّاه بنبوءة إشعياء النبيّ: "وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا"(متّى 22:1-23).

تدعى العذراء مريم والدة الإله كما بشّرها جبرائيل: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ"(لوقا 35:1)، وأيضًا كما نادتها أليصابات عند سماع صوت مريم وارتكاض الجنين في بطنها: "فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ"؟(لوقا 43:1).

ومريم هي الدائمة البتوليّة تأكيدًا لما كانت عليه وليس إحتقارًا للزواج إطلاقًا. فهي أرادت أن تكرّس نفسها للرب جسدًا وروحًا والرب لم يغتصب حريّتها. وبعد أن أدركت أن الحبل هو بالروح القدس وافقت بملء حريّتها وقالت للملاك: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ"(لوقا 38:1).

لا يصوَّر يوسف خطّيب مريم في وسط أيقونة الميلاد إلى جانب يسوع ومريم، ليس لقلّة أهميّته، لا سمح الله، بل للتركيز على أنّ الولادة هي إلهيّة بالروح القدس. تعيّد له الكنيسة الأرثوذكسيّة في الأحد التالي للميلاد.

يسوع في أيقونة الميلاد دائمًا ملفوف بالأقمطة بحسب ما جاء في إنجيل لوقا. "َوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ"(لو٧:٢). هذه الأقمطة سنراها فارغة في أيقونة القبر الفارغ القياميّة.

ترتيلة "اليوم يولد من البتول" هي على لحن "اليوم عُلّق على خشبة"، لأنّ المولود هو الذي صُلب وقام ليفدينا ويخلّصنا.

ولادة يسوع في بيت لحم أبطلت الذبائح الحيوانيّة لأنّه الذبيحة الأبديّة، وكان يرعى في بيت لحم الخراف التي كانت تقدّم ذبائح في هيكل أورشليم. كما أعطى يسوع المعنى الكامل لبيت لحم التي تعني بيت الخبز، كما قال: ""أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ"(يوحنّا 51:6).

مجيء المجوس إلى يسوع وسجودهم له علامة لمجيء الأمم، وكان النبيّ دانيال قد بشّر في بلادهم. وهداياهم الثلاث: اللبان والذهب والمرّ إشارة إلى الألوهة والملوكيّة والصلب. ونراهم في الايقونة شيخًا ومتوسّط العمر وشابًّا علامة على أنّ المسكونة كلّها أتت وسجدت للربّ. كذلك تصويرهم ثلاثة مرتبط بهداياهم الثلاث وبالقارّات الثلاث التي كانت مكتشفة آنذاك: آسيا وأوروبا وأفريقيا. وهكذا صوّروا في الجداريّات والفسيفساء منذ القرون الأولى للمسيحيّة.

إلى الرّبّ نطلب.

[1]. ثبت القسم الأوّل منه (إلى "والروح القدس") في المجمع المسكوني الأوّل عام 325م، وأكمل القسم الثاني في المجمع المسكوني الثاني عام 381م.