تتكشّف تدريجياً بعض الخفايا التي رافقت عملية سقوط النظام في سوريا. ويتحدث مصدر عربي معنيّ لـ"النشرة" عن وجود اتفاق ثلاثي تركي - روسي - إيراني مؤكّد، بعلم واشنطن، قضى بتنفيذ الإتفاق بسلاسة التسلّم والتسليم، ستظهر نتائجه تباعاً ولو بعد حين.

وأكد المصدر أن الرئيس السوري السابق بشار الأسد كان أتمّ اتفاقاً مع دول خليجية عربية في الأشهر القليلة الماضية، يقضي بتحييد سوريا عن الصراعات الاقليمية، والتفرغ لاعادة بناء بلاده، والذهاب نحو مفاوضات جدّية مع إسرائيل، لكنه بالمقابل، صدّ كل المحاولات الروسية والإيرانية لتسوية العلاقة مع تركيا التي كانت ترغب ضمناً بمد نفوذها إلى سوريا، عبر اشراك شخصيات إسلامية في الحياة السياسية السورية ومجموعات ادلب المسلّحة في الجسم العسكري السوري.

وأشار المصدر نفسه إلى أنّ تركيا أقامت علاقات قوية بالمفرق مع مسؤولين سوريين، ومن بينهم ضباط كبار في قيادة الأركان والوحدات. ولا يُخفي المصدر أن تكون ايران على علم بالتواصل التركي مع تلك القيادات السورية، "ليتبين ان قرارات الانسحابات التي اتخذتها قيادة الجيش السوري، من حلب بداية، كانت من دون التواصل مع الاسد الذي كان مشغولاً بزوجته، التي كانت ولا تزال تقضي فترة علاجية حرجة في موسكو"، وتتدرج بعدها انهيارات الوحدات العسكرية، من دون اي قتال. وعندما ذهبت قوات سورية خاصة يقودها اللواء سهيل الحسن المعروف ب،"النمر" شمال حمص، لم يجد سلاحاً وازناً في المخازن، بعد تعرضها سابقاً لغارات اسرائيلية، وعدم تلبية متطلباته من قبل قيادات الأركان.

وجزم المصدر نفسه "بأن المسؤولية يتحملها الاسد، الذي كان يتصرف بزهو، وكأنه يملك القرار الميداني والسياسي وحده، بينما اظهرت التطورات ان قيادات نظامه فتحت علاقات قوية مع الأتراك والروس والإيرانيين، بحيث ترافقت الانسحابات الميدانية مع بعضها، دون ادراك الاسد لما يحصل".

وأكد أن التفاوض الذي كان يدور في قطر، قبل ساعات من سقوط النظام، بمشاركة دول عربية، خلص إلى الاتفاق على مرحلة انتقالية، لكن الاسد رفض بشكل قاطع، بشكل اوحى انه انفصل عن الواقع، مما اضطرّه عند انسحاب ثم انهيار وحداته إلى الهروب من دمشق بطلب روسي، وتوريط كل البيئة الحاضنة لنظامه في مرحلة ما بعد السقوط، وهي تدفع الاثمان بفوضى الأرياف والقتل والسحل والسرقة والنهب، بدءاً من مناطق الساحل.

وأشار المصدر إلى تجارب السنوات الماضية في سوريا، التي أكّدت أن قرارات التسليم منذ ايام هي التي اسقطت النظام، بينما كان صمد مثلاً، قبل عام 2016 اقل من الف عسكري سوري في حلب ومنعوا دخول المعارضة المسلحة إلى 28%، من المدينة، وكذلك بقي عشرات العسكريين شهوراً طويلة يدافعون عن مواقعهم المحاصرة في أرياف الشمال والشرق وحمص في عز ايام الثورة.

امّا عن مرحلة ما بعد، فلفت المصدر العربي إلى أن المؤشرات توحي بخلافات عميقة بين مجموعات وحركات المعارضة المسلحة، والسباق الجاري إلى تقسيم قطعة الجبنة بين قياداتها، مشيراً إلى وجود شخصيات بارزة اهمها احمد العودة الموجود في درعا، والذي لن يسمح مع غيره لزعيم هيئة التحرير الشام احمد الشرع (الجولاني) بالتفرد في قيادة سوريا.

ولم يخف أن التواصل بين العواصم، وخصوصاً العربية منها، مع اركان في المعارضة المسلحة والسياسية قائم ايضاً لترتيب المرحلة المقبلة، وسط مخاوف من تقسيم محتمل، وتمدد النفوذ الإسلامي نحو الأردن، مما يستلزم الرصد والحذر، خصوصاً أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يتصرف على قاعدة: القرار بات في بلاد الشام عندي ولي، بشكل يوحي ببعثرة خارطة سايكس – بيكو.