أشار بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنا العاشر، إلى أنّ "الشّعوب اكتتبوا بأمر قيصر وأمّا نحن المؤمنين فقد كُتبنا باسم لاهوتك". بهذه الكلمات وبلسان ناظمة التسابيح كاسياني، تدعونا الكنيسة المقدسة إلى تأمل ميلاد المسيح. تدعونا لنتأمل تنازل الله الكلمة في تلك الأيام التي جرى فيها اكتتاب أو إحصاء المسكونة. تضع ذلك أمام أعيننا، وتدعونا أن نكتتب قلباً وقالباً لاسم المسيح"، لافتًا إلى أنّها "تدعونا أن نكون له وحده، شهوداً لمحبته، شهوداً لعظم تنازله، شهوداً لإنجيله، شهوداً لألوهته التي ما أنفت أن تتنازل لتخاطب جبلةً أحبت، وبشريةً تهاوت في كبريائها، فهوت من مجدها فوافاها مخلصاً يعيدها إلى المجد الأول".
وركّز، في رسالة عيد الميلاد المجيد 2024، الموجّهة إلى "رعاة الكنيسة الأنطاكية المقدّسة، وأبنائي وبناتي حيثما حلّوا في أرجاء هذا الكرسي الرسولي"، على أنّ "في بيت لحم الهاجعة على أنغام الرعاة، جاءنا الإله الساهر على الدنى من علياء مجده. جاءنا من أمٍّ عذراء التحفت الخفر والوداعة. جاءنا وديعاً يناجي الإنسانية الهاجعة في مغاور قلوبها، والمتطلعة إلى نور قيامة وفيض رجاء".
وذكر البطريرك يوحنا العاشر، أنّ "من مغارةٍ في باطن الأرض، شاء ساكن العلى ورب المجد أن يطل على البشرية الملتحفة بضعفها دثاراً وبكبريائها برقعاً. جاءها طفلاً يناجي أطفالها. جاءها متوسداً في حشا العذراء حشا كل ذهن بشري"، مبيّنًا أنّه "أراد أن يلاقيها ببشارة الخلاص وهي التائهة في براري العتو والصلف. جاءها متواضعاً وهي التي شمخت بزيف كبريائها. دخلها مقتدراً كاسراً الأسوار وهي التي تدرعت بأسوار تجبرها وزيف قدرتها".
وأوضح أنّ "في كل عام، تتذكر البشرية ميلاد ذاك الطفل وسط قعقعة حروبها ووسط حروبها التي لا تنتهي. وهي تذكره اليوم وهي تغلي بالحروب ونار الصراعات. تذكره اليوم وفي الذكرى مناجاة لرب السلام. تذكره بعيون كل طفل يتوق إلى سلامه. تذكره في الأرض التي ولد فيها، ومن الشرق الذي حضن تلاميذه وأطلق إنجيله إلى كل العالم. تذكره وهي تفتقد حضوره في نشيد الملائكة مجداً لله في علاه وسلاماً على الأرض ومسرةً لبني الأنام. تذكره اليوم وفي الذكرى تلتمع تلك الحروب الآثمة التي تحصد الأرواح وتخطف بهجة الناس. تذكره وهي تتخبط في أوحال السياسة، وفي وهاد المصالح التي تدوس كرامة الإنسان وتسلّعها في سوق كبار هذا الدهر".
كما أكّد أنّ "رغم كل هذا، يبقى لنا الرجاء النابع من عيون ذاك الطفل الإلهي، من عيون طفل المغارة الذي نسأله اليوم الرأفة بعالمه، كما ونسأله من أجل هذه البشرية التي تترنح من مرارة حروبها وتتوق إلى رحيق سلامه. نسأله أن يطفئ نار الحروب بعذوبة سلامه، وأن يضع في النفوس شيئاً من رويّته".
وختم البطريرك: "كن معنا يا يسوع ولامس قلبنا بعذوبة قلبك. كن معنا، كما أنت دوماً، وأنعم على بلادنا بروح سلامك. تعهد هذا الشرق الذي ولدت فيه بعنايتك الإلهية واحفظه بفيض رأفتك. كن، كما أنت دوماً، مع إنسانك المعذب الذي يقاسي ويلات الحرب قتلاً وترهيباً وجوعاً ودماراً وتهجيراً وخطفاً. سكن يا رب هياج هذا العالم وأخمده بجبروت صمتك. أرح نفوس من سبقونا إلى لقيا وجهك القدوس".