وأخيرا، وليد جنبلاط في سوريا "الجديدة"...

لقد حصل اللقاء الأول في دمشق، الأحد 22 كانون الأول 2024، بين "زعيم المختارة" وليد جنبلاط ونجله تيمور، و"زعيم سوريا الجديد"، أحمد الشرع.

وقد شكل اللقاء حدثا تاريخيا، كنتيجة لمسار جنبلاطي، يُقارب الـ 48 عاما، لخصه الشهيد كمال جنبلاط بعبارته الشهيرة: "السجن الكبير".

خلال اللقاء في القصر الرئاسي الدمشقي، جلس وليد جنبلاط على الكرسي الذي جلس عليه منذ قُرابة الـ 54 عاما، حافظ الأسد، ومن ثم نجله بشار، من دون انقطاع، لغاية بداية كانون الأول 2024.

تبادل الزعيمان التهانئ. ونظر "أبو محمد الجولاني" إلى وليد جنبلاط (75 عاما) على أنه من جيل والده حسين (79 عاما)، وأما هو فمن عُمر تيمور جنبلاط، وكلاهُما من مواليد العام 1982.

ويبدو أن وليد جنبلاط، ما زال تحت تأثير تبدُل السُلطة في سوريا بعد حقبة "ديكتاتورية" طويلة، وكيف أن ذلك التبدُل كان "أقرب الى الخيال"!.

ولا شك أن اللقاء سيُؤسس لصفحة جديدة في تاريخ لبنان وسوريا.

ولو اتسع الوقت، خلال لقاء دمشق، لكان جُنبلاط استعاد ما جرى مع أبيه كمال، في آخر لقاء عقده مع حافظ الأسد، في آذار 1976. ففي ذلك العام، كان جيش نظام الأسد يستعد للدخول إلى لبنان ليمكُث فيه حتى العام 2005.

وعندما عرض الأسد على جُنبلاط مغانم السُلطة في لُبنان، لقاء الانضواء تحت جناح "حاكم سوريا ولبنان" معا، أجابه كمال جُنبلاط: "لن أدخُل في سجنك الكبير"، على ما تقول الرواية الجُنبلاطية.

وأما أحمد الشرع، فوالده كان في علاقة غير مستقرة مع النظام في دمشق، قبل أن يُغادر إلى المملكة العربية السعودية، حيث وُلد فيها أحمد سنة 1982.

وحدَّد الجولاني الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في العام 2000، باعتبارها "اللحظة" التي جعلته "مُصمما على القيام بدور نشط في السياسة"!.

وتقول صحيفة الـ "تايمز" إن زعيم تنظيم "داعش"، أبا بكر البغدادي، هو مَن أرسل الجولاني في 2011 إلى سوريا، لتأسيس "جبهة النُصرة"، كفصيل جديد مناهض لبشار الأسد. ولكنهما اختلفا في مسائل عدة، بينها الأساليب المُتطرفة التي كان يُفضلها البغدادي مثل القتل الجماعي وقطع الرؤوس.

ولاحقا، كان الانفصال واضحا تماما، إلى أن عزل الجولاني نفسه عن تنظيم "القاعدة"، ودمج قُواته مع جماعات إسلامية أُخرى أقل تطرُفا... وقال الجولاني حينذاك إنه يُركز فقط على تحرير سوريا "بمسحة إسلامية".

إغتيال كمال جُنبلاط

تقول الرواية عن اغتيال كمال جُنبلاط، في 16 آذار 1977، إن اجتماعا عُقد في دمشق، بين ياسر عرفات (أبو عمار)، رئيس "مُنظمة التحرير الفلسطينية"، والرئيس حافظ الأسد. ويروي ياسر عبد ربُه، أمين السر السابق للجنة التنفيذية للمُنظمة - وقد كان حاضرا في الاجتماع ضمن الوفد المُرافق لعرفات - واقعة من الرواية، على الشكل الآتي:

في بداية الاجتماع، أَطْلع عرفات الأسد، على نتائج "أعمال المجلس الوطني الفلسطيني"، الذي عُقد في القاهرة.

وقال عرفات إن المجلس سمى دورته "دورة الشهيد كمال جُنبلاط".

وكانت المُفاجأة، حين سأل الأسد عرفات، عن هُوية مَن قتل جنبلاط.

وقد روى عبد ربُه أن عرفات شعر بارتباك شديد، ولم يجد مخرجا غير اتهام إسرائيل، بعدما خاف أن يقول له: "حضرتك يا سيادة الرئيس".

ولكن الأسد ألحَّ في السُؤال: "لماذا تعتقد يا (أبو عمار) أنها إسرائيل وليس غيرها"؟.

-أجاب عرفات: "أنا أعرف المنطقة التي كان فيها كمال جُنبلاط. تنزل نُزولا، وفي آخر النُزول تحويلة، ومن ثم تبدأ بالصُعود... هُم كمَنوا له عند التحويلة. من يقدر أن يفعل ذلك غير إسرائيل؟".

... ومن حُسن طالع الزعامة الجُنبلاطية، أنها قالت من داخل القصر الرئاسي السُوري، إن "حافظ الأسد قتل كمال جُنبلاط"!.

الاستحقاق الرئاسي اللُبناني

لقد بات في مقدور وليد جُنبلاط، أن يولي الاستحقاق اللُبناني الرئاسي الوقت الكافي، وفي أجواء سياسية مُريحة، بعد فتح صفحة جديدة مع سوريا.

وحرك جنبلاط المُراوحة التي كانت سائدة، من خلال طرح اسم قائد الجيش، العماد جوزاف عون، كمُرشح أول إلى رئاسة الجُمهورية اللبنانية، الأُسبوع الفائت.

من الثابت في لبنان، أن تتأرجح سلة الأسماء الرئاسية، إلى أن ترسو على من كان خُطط بين دول القرار لإيصاله، من تحت طاولة المصالح الدولية…

كما وأدى جُنبلاط، دورا كبيرا في إهماد أحلام قائد "القوات اللبنانية"، سمير جعجع بالرئاسة، ويبدو أنه أخذ على عاتقه "تحجيم زعامة الأخير"، على ما رأت المصادر. هو القائل في أيلول الماضي: "إذا أراد جعجع إثبات نفسه كزعيم للمُعارضة فليفعل ذلك من دوننا".

وما إن بدأ نُواب "القوات" يُلوحون بترشيح جعجع إلى رئاسة الجمهورية، حتى أخرج جنبلاط ورقة عون، وزكاه كمُرشح أمر واقع داخلي – خارجي.

ورأى البعض في لبنان، أن مُسارعة جنبلاط إلى إشهار ورقة عون قبل تبلور جو توافقي أقله بين المُعارضة نفسها، لا يبدو مُجرد تقاطُع دولي أو تعبير عن كلمة سر خارجية، وإنما يراها هؤلاء بأنها مُحاولة لإعادة الإمساك بدفة المركب، حيث باتت ورقة عون في يد زعيم المُختارة: يعلن ترشحه فيرفع السقف أمام قوى المعارضة. وعندها يُصبح القفز فوقه أمرا مُعقدا. وبالتالي يفرض التوافُق عليه والسير وراءه في تبني ترشيحه من الكتل الأُخرى، ويُنهي ترشيح القائد إذا تراجع عن هذا الدعم.