مع إعلان كتلة "اللقاء الديمقراطي" تأييدها ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى رئاسة الجمهورية، خرج اسم الأخير من "الكواليس" التي تصدّرها على امتداد الأشهر الماضية، بل ربما منذ الفراغ الرئاسي، إلى "العَلَن"، باعتبار أنّها المرّة الأولى التي يُرمى فيها باسم قائد الجيش صراحةً في المعركة، خصوصًا أنّ الحديث عنه كان يصطدم دومًا بفكرة التعديل الدستوري المطلوب، على الرغم من الاجتهاد الذي يتيح القفز فوقه برأي البعض.

لكن، وبعيدًا عن حظوظ قائد الجيش الفعليّة في الوصول إلى قصر بعبدا، والسيناريوهات المحتملة للتعامل مع العقبات الدستورية المحتملة، بدا أنّ إعلان كتلة "اللقاء الديمقراطي" أثار ما وصفه البعض بـ"امتعاض مسيحي" عبّر عنه "التيار الوطني الحر" خير تعبير، حين سارعت مصادر رئيسه جبران باسيل إلى القول تعليقًا عليه، إنّ جنبلاط لا يمكنه أن يرشّح بالوكالة عن المسيحيين، مضيفةً: "هذا هنري حلو ثانٍ"، في إشارة إلى عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي.

ومع أنّ موقف "التيار" السلبي لم يجد من "يتناغم معه" بالصورة نفسها لدى سائر القوى المسيحية، إلا أنه لم يُقابَل بـ"نقيضه" أيضًا في صفوف هذه القوى، بما فيها تلك التي تؤيد ضمنًا ترشيح قائد الجيش، أو التي لا تمانعه لكنها تبدو "متردّدة" إزاءه، كحال "القوات اللبنانية" بشكل أو بآخر، إذ التزمت هذه القوى الصمت، ولم تتموضع لا إلى جانب "الاشتراكي"، ولا إلى جانب باسيل، في "المعركة" التي يبدو أنّه بدأها لقطع الطريق على عون.

وفي حين عزا البعض الأمر إلى الخشية من "إحراق" حظوظ قائد الجيش الرئاسية، بانتظار أن يحين الوقت المناسب للتداول باسمه، فإن علامات استفهام بالجملة طُرحت حول الإعلان "الاشتراكي"، فهل أخطأ أو ربما "تسرّع" بدعم ترشيح قائد الجيش، وكيف تلقّفت مختلف القوى هذا الإعلان، وهل يمكن أن يفتح الباب أمام نقاشات "رئاسية" في العمق، وقبل كلّ ذلك، هل يمكن القول إنّه "يقرّب" قائد الجيش من قصر بعبدا؟!.

ترفض أوساط "الاشتراكي" الحديث عن "تسرّع" بالإعلان، بل إنّها تعتبر أنّ الدعم جاء "في الوقت المناسب"، فهو يشكّل "ترجمة" للأجواء العامة التي ينبغي أن تحيط بجلسة الانتخاب المقرّرة في التاسع من كانون الثاني المقبل، والتي يتفق الجميع على أنها يجب ألا تشبه سابقاتها، وبالتالي فإنّ المطلوب فتح النقاش "الجدّي" في العلن، علمًا أنّ اسم قائد الجيش ليس مستجدًّا على الساحة، بل هو مطروح منذ اليوم الأول، وهو ما يعلمه الجميع، وقد حان الوقت لتسمية الأشياء بمسمّياتها، وفق هذه الأوساط.

لا تستغرب هذه الأوساط ردّة فعل "التيار الوطني الحر" على الإعلان، وإن كانت تعتبر أنّ أسبابها ليست "مبدئية" كما حاول أن يوحي، بل "شخصية" بين رئيس "التيار" جبران باسيل وقائد الجيش، باعتبار أنّ باسيل الذي يحمّل عون مسؤولية إضعاف ما سُمّي بـ"العهد القوي" بعدم قمعه الاحتجاجات الشعبية في تشرين الأول 2019، مستعدّ كما بات واضحًا لدعم أيّ مرشح، كائنًا من يكون، في سبيل "إسقاط" قائد الجيش.

لكن، بعيدًا عن موقف عون، يعتبر "الاشتراكي" أنّ إعلانه دعم قائد الجيش هو بمثابة "مبادرة" يطلقها من أجل "إنجاح" جلسة 9 كانون الثاني، لاعتقاده أن الرجل هو عمليًا الأقدر على "جمع" مختلف الأطراف، ولا سيما بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، والدور المطلوب منه في المرحلة المقبلة، فضلاً عن كونه يتمتّع بمظلة دعم إقليمي ودولي واسعة، وقد بات يُنظَر إليه على نطاق واسع على أنه المرشح "الأنسب" بالنسبة إلى المجتمعين العربي والدولي.

أما المواقف الداخلية، فيعتبر "الاشتراكي" أنها يفترض أن تنضج في الأيام الفاصلة عن جلسة التاسع من كانون الثاني، ولذلك فإنّ مبادرته إخراج اسمه من الكواليس إلى العلن، يفترض أن تفتح النقاش على مصراعيه، علمًا أنّ أوساط "الاشتراكي" تعتبر أنّ العقبات الداخلية لا يفترض أن تحول دون وصول قائد الجيش إلى الرئاسة، ولا سيما أنّ لا وجود لـ"فيتو" صلب وحقيقي عليه، بعيدًا عن موقف "التيار الوطني الحر" بطبيعة الحال.

عمومًا، وبمعزل عن الحكم على النوايا، فإنّ موقف "الاشتراكي" لم ينزل بردًا وسلامًا على الكثير من القوى، خصوصًا على الساحة المسيحية، حيث كان "التيار" أول المعترضين، وهو الرافض أساسًا لانتخاب قائد الجيش، ولكن أيضًا "القوات" التي يبدو أنها لا تزال مترددة إزاءه، في وقت يتخوّف المؤيدون للرجل من أن يؤدي طرح اسمه من الآن، إلى "إحراق" حظوظه، لينتقل البحث إلى مرشح جديد عشية جلسة 9 كانون الثاني.

بالنسبة إلى أوساط "التيار"، فإنّ المشكلة جوهرية في ما صدر عن "الاشتراكي"، وهي ترتبط بعنوان الاستحقاق الرئاسي، وبأهمية المنصب للمسيحيين، الذين يفترض أن يكونوا "المبادرين" على خطّ تسمية المرشحين، تمامًا كما يحصل بالنسبة لرئاسة مجلس النواب، حيث ينتظر الجميع بمن فيهم "الاشتراكي"، كلمة القوى الشيعية الأساسية، وكذلك بالنسبة لرئاسة الحكومة، حيث تكون الكلمة "الفصل" للقوى السنية في المقام الأول.

وفيما تسأل أوساط "التيار" عن سبب "تسرّع" جنبلاط وعدم انتظاره ما يقوله المسيحيون في هذا الصدد، علمًا أنّ الوقت لا يزال مفتوحًا بانتظار جلسة التاسع من كانون الثاني، تشير إلى أنّ المُستغرَب هو عدم صدور مثل هذا الموقف "المبدئي" عن سائر القوى المسيحية، قبل أن تخلص إلى أنّ "الاشتراكي" بموقفه هذا، "أحرج" عون وداعميه في الدرجة الأولى، وبالتالي أضعف حظوظه، بدليل "صمت" مؤيّديه المثير للانتباه.

في مقابل موقف "التيار"، يقول العارفون إنّ موقف سائر القوى المسيحية ليس موحَّدًا، وثمّة نقاش مستمرّ حتى داخل المعارضة حول الموقف من إعلان "الاشتراكي" المفاجئ، ولكن أيضًا حول مدى إمكانية دعم عون، حيث توحي المؤشرات إلى أنّ "القوات اللبنانية" مثلاً تتمايز عن غيرها، فهي لا تمانع دعم عون، إذا توافرت له الفرصة الجدّية، لكنها تريد "اختباره" أولاً، إذ إّ مواقفه السياسية غير معروفة، وإن كان أداؤه في المؤسسة العسكرية جيدًا.

تقول أوساط "القوات" إنه بمعزل عمّا إذا كان "الاشتراكي" أخطأ بإعلان دعمه لعون أم لا، فإنّ المطلوب أولاً الاتفاق على "خريطة طريق" واضحة لإنجاز الاستحقاق، فإذا كان العماد عون مثلاً مقبولاً بالنسبة للمعارضة في المراحل السابقة، فالأمر بات يحتاج إلى نقاش "جدّي" اليوم بعد سلسلة المتغيّرات التي شهدتها الساحة على امتداد الأشهر الماضية، والتي تفرض "مقاربات" من نوع آخر، تعكس التحوّلات "النوعية" التي حصلت أخيرًا.

في كلّ الأحوال، يقول العارفون إنّ ظروف جلسة التاسع من كانون الثاني لم تنضج بعد، ولو أنّ ثمّة قرارًا ضمنيًا لدى مختلف الأفرقاء بضرورة "حسم" الاستحقاق هذه المرّة، للكثير من الأسباب، بينها ما هو مرتبط بتثبيت "وقف إطلاق النار"، ومواكبة "اليوم التالي" للحرب. وبانتظار موعد الجلسة، وربما ربع الساعة الأخير قبلها، يبدو أنّ "أسهم" قائد الجيش ستستمرّ في الصعود والهبوط، قبل أن تثبت...