ما زالت تداعيات سقوط نظام بشار الأسد على الوجود الفلسطيني في لبنان وسوريا تتوالى فصولًا، وتستأثر باهتمام القوى السياسية الوطنية والإسلامية، نظرًا لما لها من انعكاسات على موازين القوى، بعدما انخرطت في إعادة تقييم المرحلة السابقة ورسم صورة المقبلة منها، ارتباطًا أيضًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان.

وكشفت مصادر فلسطينية لـ"النشرة" أن غالبية المسؤولين الفلسطينيين الكبار من الصف الأول قد غادروا العاصمة السورية-دمشق نحو دول أخرى، ومنها لبنان، بانتظار جلاء صورة التطورات الداخلية، وخاصة ما يتعلق بمصيرهم ووجودهم، رغم رسالة التطمينات التي تلقتها الفصائل الفلسطينية من الإدارة السورية الجديدة بعدم التعرض لها.

ووفقًا للمعلومات، فإنه لم يتم توقيف أيٍّ من المسؤولين البارزين، رغم كثرة الشائعات عن توقيف عددٍ منهم حينًا أو ملاحقة آخرين أحيانًا، وذلك بعد سلسلة من الاجتماعات واللقاءات الفصائلية التي انتهت إلى دخول حركة "حماس" على خط الوساطة لدى تركيا، ومنها لدى "هيئة تحرير الشام"، لتحييد الشعب الفلسطيني وقواه السياسية ومسؤوليه عن أي مساءلة أو محاسبة.

بالمقابل، أغلقت الفصائل الفلسطينية المعسكرات العسكرية والمكاتب التنظيمية، وأزالت المظاهر المسلحة، ورفعت العلم السوري الجديد، بعد موقف سياسي فلسطيني موحّد يؤكد أن ما يجري شأن سوري، ويعلن الوقوف إلى جانب الشعب السوري وخياراته في رسم مستقبل سوريا المستند إلى حقه في تقرير مصيره.

هذا الإقفال والانسحاب دفع الجيش اللبناني إلى استلام ثلاثة مواقع عسكرية على الحدود المشتركة كانت تحت سيطرة تنظيم "القيادة العامة"، وهي: "السلطان يعقوب" في البقاع الغربي، مركز "حشمش" بين بلدتي قوسايا ودير الغزال في البقاع الأوسط، و"حلوة" في راشيا، الذي كان تحت سيطرة حركة "فتح الانتفاضة"، ناهيك عن مركز "القيادة العامة" في الناعمة، في خطوة تهدف إلى تعزيز الأمن وبسط سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية، والأهم إقفال ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، إذ لم يعد هناك أي تواجد لأيّ من الفصائل الفلسطينية.

وذكرت مصادر فلسطينية لـ"النشرة" أن تسلّم هذه المواقع العسكرية جاء ارتباطًا بتطورات الأوضاع الأمنية في سوريا، وليس في إطار تطبيق القرار الدولي 1701 الذي أنهى الحرب مجددًا بين إسرائيل ولبنان، إذ لم تتبلغ الفصائل الفلسطينية في لبنان أي طلب رسمي لتسليم السلاح خارج المخيمات أو داخلها حتى الآن، وخاصة في مخيمات جنوب الليطاني، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى مهلة الـ60 يومًا وكيفية تطبيقها على المستوى اللبناني.

تطورات مترابطة

ووسط هذا المشهد، رصدت "النشرة" سلسلة تطورات مترابطة بسقوط نظام الاسد وأبرزها:

-إعلان المديرية العامة للأمن العام في لبنان عن السماح للاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا بمغادرة البلاد بعد تسوية أوضاعهم مجانًا، دون فرض بدل خدمات مأجورة، في خطوة وصفتها الأوساط الفلسطينية بأنها إيجابيّة لتشجيع عودتهم، إلا أنها تصطدم مع غياب أي خطة لإعادة إعمار المخيمات في سوريا.

-إعلان السفارة السوريّة في بيروت عن تقديم خدمة تمديد جوازات السفر المنتهية الصلاحية لكل مواطن سوري ومن في حكمه، في إشارة إلى اللاجئين الفلسطينيين الذين يحملون وثيقة السفر الفلسطينية الصادرة عن سوريا. موضحة أن هذه الخدمة تُقدَّم بشكل مجاني بعدما كانت بما لا يقل عن 300 دولار أميركي، قبل أن تعود وتعلق مهام قنصليتها حتى إشعار آخر.

-بدء وكالة "الأونروا" بتسجيل العائلات الفلسطينية المهجّرة إلى مناطق الشمال السوري على يد نظام الأسد السابق، بعد انقطاع دام منذ عام 2018، تمهيدًا لصرف المعونات المالية التي حُرمت منها، حيث كانت تبرر عدم تسجيلهم بأنهم موجودون في مناطق "يصعب الوصول إليها" لخروجها عن سلطة النظام. ويُقدَّر عددهم بأكثر من 1600 عائلة موزعين على النحو التالي: إدلب وأريافها: 700 عائلة، ريف حلب الشمالي: 500 عائلة، مخيم دير بلوط في ريف جنديريس: 250 عائلة، مدينة جنديريس: 70 عائلة.

-بدء أبناء المخيمات في سوريا تحركات احتجاجية للمطالبة باسترجاع حقوق اللاجئين الفلسطينيين وتحسين الخدمات المقدمة لهم من قبل الوكالة المسؤولة عن غوثهم وتشغيلهم. وقد سُجل اعتصام أمام مبنى رئاسة الوكالة في منطقة المزّة بدمشق، وآخر لأبناء مخيم جرمانا أمام المركز الصحي التابع للوكالة، مطالبين بتحسين الخدمات الصحية وتطوير البرامج الإغاثية.

-دعوة السفارة الفلسطينية في دمشق المعتقلين المحررين من غير المقيمين في سوريا، أو ذويهم، أو من لديه أيّة معلومات عنهم، إلى التواصل معها لتقديم الدعم والخدمات اللازمة، وذلك في خضم التطورات الأخيرة التي شهدتها سوريا، حيث جرى تحرير العديد من المعتقلين فيما بقي آخرون مجهولي المصير. ووفقًا لإحصائيات حملة الكشف عن مصير المعتقلين الفلسطينيين والمختفين قسرًا في سجون النظام السوري، بلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين 3108، بينهم 333 مفقودًا و633 قتيلا تحت التعذيب.