ذاكَ الطَرسوسيُّ ألجابَ الطُرُقاتَ مُبَشِّراً بِمَن كانَ يَضطَهِدُهُ فادِياً لِلجِنسِ البَشَرِيِّ،

ذاكَ الشَاولَ، مِن سَبطِ بِنيامينَ، مِن أُسرَةِ يَهودِيَّةٍ-لُبنانِيَّةٍ نَزَحَت لِكيليكيا، والمُتَتَلمِذَ في أورشَليمَ لِغامالائيلَ الفِريسيِّ أشهَرَ مُعَلِّمي الشَريعَةِ، مَن الحَقَّ الحَقَّ صارَ المُرتَدَّ لِلمَسيحِ سائِلِهِ: "شاولُ، شاولُ، لِمَ تَضطَهِدُني؟" (أعمالُ الرُسُلِ 9/4)، وَمَن سَيَكتُبُ لِأهلِ ذُرِيَّتِهِ أنَّ المَسيحَ "لَم يَصِر كاهِناً بِحَسَبِ شَريعَةِ وَصِيَّةٍ بَشَرِيَّةٍ، بَل بِحَسَبِ قُوَّةِ حَياةٍ لَيسَ لَها زَوالٌ، لِأنَّ الشَهادَةَ المؤَدَّاةَ لَهُ هي: أنتَ كاهِنٌ لِلأبَدِ على رُتبَةِ مَلكيصادَقَ." (الرِسالَةُ لِلعِبرانِيِّينَ 7/16-17)... مَلكيصادَقُ الفينيقيُّ-الُلبنانِيُّ، "مَلِكُ شَليمَ وَكاهِنُ اللهِ العَليِّ، ألخَرَجَ لِمُلاقاةِ إبراهيمَ عِندَ رُجوعِهِ، (...)، وَبارَكَهُ. وَلَهُ أدَّى إبراهيمُ عِشرَ كُلِّ شَيءٍ... (الرِسالَةُ لِلعِبرانِيِّينَ 7/1-2)،

ذاكَ ألغَدا رَسولَ الأُمَمِ، مُجَذِّراً لاهوتَ القائِمِ مِنَ المَوتِ فَنَما جِذعَ تَقاليدَ الَشرقِ والغَربِ المَسيحِيَّةِ، مِن بوليكاربوسَ وإغناطيوسَ الإنطاكِيَّ وَكليمَنتَ الرومانِيَّ، فأغُسطينوسَ حَفيدَ صورَ، الى مارتِن لوثِرَ وَعَقيدَتِهِ Sola fide, sola scriptura, solus Christus، وَبِنِديكتوسَ السادِسَ عَشَرَ...، بِتَوكيدِهِ الثُلاثِيِّ:

المَسيحُ إفتَدانا مِن لَعنَةِ الناموسِ إذ صارَ لَعنَةً لِأجلِنا...

إن لَم يَكُنِ المَسيحُ قَد قامَ، فَباطِلَةٌ كِرازَتُنا وَباطِلٌ إيمانُكُمُ...

مَن يَفصِلُنا عَن المَسيحِ؟ أشِدَّةٌ أم عُريٌ أم سَيفٌ؟ لا مَوتَ وَلا حَياةَ، لا مَلائَكَةَ وَلا أصحابَ رِئاسَةٍ، لا حاضِرَ وَلا مُستَقبَلَ...

هو بولُسُ

الشاهِدُ أنَّ لبنانَ، مِنهُ وَفيهُ، الكَنيسَةُ الأولى... مُنذُ أيَّامِ المَسيحِ.

وَحينَ الإضطِهادُ اليَهودو-رومانِيُّ، الدينو-سياسِيُّ، بَدأ يَتَدَفَّقُ أنهارَ شَهادَةٍ بالدَمِّ، بِحَقِّ المؤمِنينَ بِيَسوعَ أنَّهُ المَسيحُ، إبنُ اللهِ الحَيِّ أبَدَ الدُهورِ، فَراحوا يَتَفَرَّقونَ خَوفاً أو يَتَخَّفونَ وَجَلاً، كانَ لبنانُ يُعلي شَهَادَتَهُ مُجاهَرَةً: "...والَذينَ تَشَتَّتوا بِسَبَبِ الضيقِ ألوَقَعَ (...)، إنتَقَلوا إلى فينيقيَةَ..." (أعمالُ الرُسُلِ 11/19). حاضِنَةُ الأصلِ والفَرعِ.

خاصِيَّةُ الحُبِّ الفادي

هو بولُسُ

الشاهِدُ أنَّ لبنانَ، فيهِ وَمِنهُ، صورَةُ المَسيحِ في الكَنيسَةِ الأولى.

خاصِيَّةُ الحُبِّ الفادي هَذِهِ حَتَّى بَذلِ مِلءِ الكَيانِ بِمِلءِ الإرادَةِ والحُرِيَّةِ. بِيَقينِ رَفضِ الخُضوعِ لِسُلطانٍ غَيرَ سُلطانِ الإبنِ المُحَرِّرِ بِصَليبِهِ، مَن أمامَهُ لا هُروبَ: "وَصَلنا إلى صورَ، (...) وَوَجَدنا التَلاميذَ، فأقَمنا سَبعَةَ أيَّامٍ. وَكانوا يَسألونَ بولُسَ بِوَحيٍ مِنَ الروحِ ألَّا يَصعَدَ لِأورشَليمَ. وَلَمَّا قَضَينا تِلكَ الأيَّامَ، خَرَجنا لِلرَحيلِ. فَشَيَّعَنا جَميعُ التَلاميذِ مَعَ النِساءِ والأولادِ حَتَّى خارِجَ المَدينَةِ، فَجَثَونا على الشاطِئ وَصَلَّينا. ثُمَّ وَدَّعَ بَعضُنا بَعضاً." (أعمالُ الرُسُلِ 21/3-6).

أسِرُّ الحَياةِ الأبَدِيَّةِ، في صورَ بِأبنائِها "التَلاميذِ والنِساءِ والأولادِ"؟ بَل في لبنانَ-صورَ-الجُذورِ سِرُّ الإيمانِ بالمَسيحِ: سِرُّ الكَنيسَةِ البَيتِيَّةِ الأولى وَسِرُّ الإنسانِيَّةِ-الكَنيسَةِ بِأسرِها. سِرُّ الإيمانِ الطالِعِ في حَجٍّ صَوبَ شاطِىءِ المَلَكوتِ لِغَلَبَةِ سُلطانِ-الإضطِهادِ-المَوتِ.

أيَّامٌ سَبعَةٌ قَضاها بولُسُ في صورَ-لبنانَ-الجِذعِ، فأعادَ فيها وَمِنها خَلقَ العالَمِ الجَديدِ لِلعَهدِ الجَديدِ، مُوَطِّداً سِرَّ المَسيحِ... الذي تَلَقَّفَهُ مِن فِكرِ زَينونَ الصَيدونِيِّ: "أنتُمُ جَسَدُ المَسيحِ وَكُلُّ واحِدٍ مِنكُمُ عُضوٌ مِنهُ." (الرِسالَةُ الأولى لِأهل كورِنتُسَ 12/27)، مُشَدِّداً: "أنتُمُ ألكُنتُمُ بِالأمسِ أباعِدَ، غَدَوتُمُ أقارِبَ بِدَمِّ المَسيحِ. (...) فَقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعَتَينِ (اليَهودُ واللايَهودُ) جَماعَةً واحِدَةً وَهَدَمَ في جَسَدِهِ الحاجِزَ الفاصِلَ بَينَهُما، أيّ العَداوَةَ." (الرِسالَةُ لِأهلِ أفَسُسَ 2/13-14).

لبنانُ الكَنيسَةُ البَيتِيَّةُ الأولى، لبنانُ الكَنيسَةُ-الإنسانِيَّةُ الأولى: قانونُ الإيمانِ. بولُسُ-الُلبنانِيُّ سَيُعلِنُهُ لِلأُمَمِ:

"أنتُمُ مِن أبناءِ وَطَنِ القِدِّيسينَ وَمِن أهلِ بَيتِ اللهِ." (الرِسالَةُ لِأهلِ أفَسُسَ 2/19).