لا يختلف اثنان على ان الشخصية الابرز في سوريا اليوم هي ابو محمد الجولاني الذي يحظى بدعم مطلق من الولايات المتحدة الاميركية التي جرّت وراءها ايضاً الدول الاوروبية والعربية. ولكن، اذا اراد البعض ان يتناسى مسألة مهمة، فلا يجب ان ينسى احد ان الجولاني ليس مسؤولاً سياسياً ولا يملك مشروعاً واضحاً، كما انه لا يملك جيشاً منظماً ولا مقوّمات كافية لملء الفراغ الذي تركه الرئيس المخلوع بشار الاسد، وهو وان نجح في تغيير لهجته وكلامه، الا ان المطلوب اكبر من ذلك بكثير.
بالامس، اعلن الجولاني عن نيته حل "هيئة تحرير الشام" التي كانت سبب شهرته واوصلته الى ما هو عليه اليوم، كدلالة على انه بات شخصاً قادراً على التأقلم مع متطلبات المرحلة المقبلة ليحكم سوريا. ولكن، كيف ننسى بقية الفصائل والمجموعات التي دعمت وتحالفت مع "هيئة تحرير الشام"، والتي لولاها لما استطاع الدخول الى القصر الرئاسي السوري؟ هل ستقبل ان تحذو حذو الجولاني وهيئة تحرير الشام؟ المنطق والتجربة والتاريخ يشيرون الى انه على الارجح لن يتم هذا الامر، وان عملية الدمج ستكون صعبة، وصعبة جداً. فلكل منظمة ومجموعة مرجعيتها الدولية والاقليمية والمحلية، ومن الصعب ان تقبل هذه المرجعيات ان تذوب في مرجعيات اخرى، خصوصاً اذا لم تقبض اثماناً باهظة ثمن هذه الخطوة. وبالتالي، الخوف هو على ان تشهد سوريا في المرحلة المقبلة تقلّبات كبيرة، وهزّات امنية تنتقل الى كل انحاء البلاد، في ظل رغبة اسرائيلية واضحة باحتلال اراض من شبه المستحيل التخلي عنها مجدداً، و"شهية" تركية غير مخفية في تأمين منطقة متاخمة للحدود تكون بمثابة حزام امان لها، ولعبة الدول الكبرى التي ستسعى الى احكام نفوذها على سوريا من خلال اللاعبين المحليين. من هنا، يمكن فهم ما قامت به اسرائيل بغطاء خارجي معروف، اي القضاء على كل مراكز الاسلحة الثقيلة (البرية والبحرية والجوية)، بحيث تكون آمنة من اي مغامرة غير مدروسة قد تحصل، كما انها تضمن بذلك اعطاء فرص متساوية للجميع في اثبات انفسهم على الساحة السورية من دون افضلية في نوعية السلاح.
وغني عن القول انه في حال تحول هذا السيناريو الى امر واقعي، فسيكون لبنان ايضاً في مرحلة دقيقة، نظراً الى الترابط الذي لطالما وجد بين البلدين، فوقوع سوريا في مشكلة غالباً ما انعكست على لبنان بشكل مباشر، والعكس صحيح ايضاً. لذلك، من المهم عودة معظم النازحين السوريين في اسرع وقت ممكن الى بلدهم، لان حصول المشاكل في سوريا يعني حكماً انتظار مواجهات ساخنة بين الاطراف السورية المتواجدة في لبنان، على غرار ما يحصل على الساحة الفلسطينية واللاجئين في لبنان اذ كانت المواجهات بين "فتح" و"حماس" على سبيل المثال، تقلق المخيمات والمناطق المحيطة بها.
للاسف، ليس الامر بسيطاً كما يمكن تخيّله، ومصالح الدول ستفرض حصول مواجهات على الارض لتعزيز نفوذ جماعة على اخرى، او لتقليل نفوذ منظمة على اخرى، وعليه، لايمكن القول بعد ان الامور باتت محسومة في سوريا، على امل ان تنتهي الامور بسرعة وبأقل ممكن من الخسائر البشرية والمادية، وتتكلل بعودة النازحين من مختلف الدول التي استضافتهم لسنوات عديدة، حيث من المتوقع ان يكون اول الوافدين اولئك الذين لجأوا الى الاراضي التركية، يليهم من اتجه الى الاراضي الاوروبيّة، فيما ستبقى اوضاع المتواجدين في لبنان محطّ اخذ ورد كالعادة، الى ان تقرر الدول مصيرهم ويرضخ لبنان للقرار الذي سيتم اتخاذه، في خطوة معتادة لا يبدو انها ستتغير.