أكد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أن "المنظومة لعينة جداً، ولا تزال متماسكة، وإذا ما أردنا توصيفها اليوم، فهي كمثل أناس في الصحراء على شفير الموت يتمسكون بالحياة بكل قوتهم، هذه هي طبيعة المنظومة"، لافتا الى أن "علينا أن نواصل المسيرة حتى النهاية. البعض اعتقد أنه مع اتفاق وقف اطلاق النار وسقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، انتهى كل شيء. ولكن الحقيقة هي أن ذلك كان نهاية السلبيات لا اكثر، ولكنه في الوقت عينه البداية للإيجابيات. فالآن يمكننا القول أن الأرض الوعرة تم تسويتها بالشكل المطلوب للبناء عليها، ولكن البناء يتطلب جهداً كبيراً وسعياً، باعتبار أن المنظومة لا تزال موجودة كخفافيش الليل، تعمل في الظلام، وتحاول في شتى السبل والطرق أن تجد وسائل للحفاظ على مواقعها في الدولة، لكننا لهم بالمرصاد، لن نسمح لهم بالحفاظ على أي موقع في الدولة".

ولفت خلال العشاء السنوي لمهندسي الاغتراب في حزب "القوّات اللبنانيّة"، في المقر العام للحزب في معراب، الى أن "اليوم وعلى الرغم من الخلافات في وجهات النظر التي بدأت تظهر بين أعضاء المنظومة الأساسيين، تقوم هذه المنظومة بإعادة رص صفوفها، باعتبار أن الخلافات في وجهات النظر لا تهمهم كثيرًا، فما يهمهم هو مصائرهم والحفاظ على مصالحهم. لذلك، نجدهم يرصون صفوفهم، ويعملون على التشبث أكثر من أي وقت مضى ملقين بثقلهم لإحكام قبضتهم على ما يمكنهم الإمساك به في الدولة".

وأشار إلى أن "المناسبة الأولى التي تحاول المنظومة تأكيد استمرارها فيها هي انتخابات رئاسة الجمهوريّة، لذلك تعمل وراء الكواليس وفي الغرف المغلقة لمحاولة تهريب رئيس بالحد الأدنى من الخسائر باعتبار أنه لم يعد باستطاعتها إيصال رئيس من الطراز الذي كانت يريدون"، معتبرا أن "الفرق هذه المرة أن الرياح العربية والدولية لم تعد مؤاتية للمنظومة. هذه المرة، هناك من يترقبها ويراقب كل حركة تقوم بها. وكلما حاولت أن تمد يدها إلى مسألة معيّنة يقوم بضربها على يدها، لذلك هناك الآن من يردعهم ويوقفهم. للأسف، مجلس النواب الحالي، بتركيبته كما هي، لا يسمح للقوى الحرّة بالتحرّك بشكل فعّال، لكن على الرغم من ذلك، نحن نعمل بما هو متاح، وبالتعاون مع المعارضة، ونقوم بإحباط مشاريع المنظومة كلها بشكل مستمر. لذا لن نسمح للمنظومة بأن تتسلل مرة أخرى وتستعيد مواقعها، كي نكون مستعدين لما يجب علينا القيام به في المرحلة المقبلة".

وشدد جعجع على انه "بالتأكيد، يمكنكم أن تستريحوا قليلاً. فكما قلت لكم سابقاً، يومان أو ثلاثة من الراحة كافية. ولكن علينا أن نعود لمتابعة المسيرة. انتهينا الآن من السلبيات، وعلينا أن نبدأ بالعمل على الإيجابيات المتمثلة في لبنان تبعاً لنظرتنا للأمور، بدولة حقيقية وجدية. لم يعد بإمكاننا أن نستمر في العيش في ظل اللادولة، فنحن عشنا في ظلها فترة طويلة جدًا، وهذا لا يمكن أن يستمر".

وكان جعجع قد استهل كلمته بتوجيه تحية كبيرة لنواب تكتل "الجمهورية القوية"، قائلا "بما أنه بيننا اليوم ستة من نواب تكتل "الجمهورية القوية"، أود أن أبدأ بتوجيه تحية كبيرة لهم، لأنهم بصراحة يمثلوننا أفضل تمثيل ويعطون أفضل صورة عنا".

في سياق اخر، تناول جعجع قضيّة اختطاف باسكال سليمان وقتله، مشيرا الى أن "على ذكر المبادئ، لا يمكن أن ننسى رفيقنا باسكال سليمان. كان يملك كل شيء في هذه الدنيا، ويجب أن ننتبه، وأنا في هذا الإطار لا أتكلّم عن القوّات، لكن هناك بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى الأحزاب لأنهم لا يملكون مكانة في المجتمع، ويبحثون عن موقع ما أو عن كرسي نيابي باعتبار أنها الطريق الأقصر في بعض الأحيان، للظهور وتحقيق الذات، إلا أن باسكال لم يكن بحاجة إلى أي شيء، فقد كان لديه كل شيء، ولكنه انضم إلى القوات اللبنانية لأنه آمن بها وبمبادئها".

كما ذكر ان "عندما تشكلت السلطة الجديدة في سوريا، باعتبار أن القوّات قوّات وهذه أمور لا يمكن أن ننساها، قمنا بشكل فوري بإرسال إسمي الفارين في سوريا إلى المراجع المعنية هناك، بالإضافة إلى المراجع الدوليّة التي لها سلطة وتأثير في الوقت الراهن في سوريا وخصوصًا الدولة التركية، بغية البحث عنهما وتسليمهما إلى الجهات القضائيّة اللبنانيّة، ولكن يجب علينا ألا ننسى أن الوضع في سوريا ما زال غير مستقر، ولم تستأنف بعد الإدارات الرسميّة عملها بالشكل المطلوب، فعلى سبيل المثال هناك أكثر من 112,000 شخص سوري مفقودين في الوقت الراهن، على الرغم من أن السلطة الجديدة فتحت أبواب السجون كلها وراجعت سجلاتها وقيودها، لذلك هي تقوم الآن بمحاولة البحث عن هؤلاء المفقودين في أماكن أخرى، وبالتالي ما أردت قوله إننا تابعنا ونقوم بمتابعة القضية حتى النهاية، ولن نتوقف حتى القبض على الفارين في سوريا ومثولهما أمام قوس المحكمة لكشف كل تفاصيل الجريمة ومُحاكمة جميع المتورطين فيها".

وتناول جعجع في كلمته مسألة العيد، معتبرا أن "عيدنا هذه السنة ليس كالأعياد السابقة، فبكل صراحة، يمكنكم أن تعيّدوا بارتياح. يمكنكم أن تعيّدوا بكل معنى الكلمة، لكن لا تطيلوا الأمر. يومين أو ثلاثة أيام حدًّا أقصى، إذ يجب أن نعود لنكمل عملنا، لأن عملنا لم ينتهِ ولم نصل بعد إلى ما نريده، فنحن عبرنا المراحل الصعبة من عملنا التي كانت كناية عن درء للخطر عن وطننا ومجتمعنا، لكننا لم ننتهِ بعد".

واضاف أن "كان هناك ضبع يجلس هنا وأسد يجلس على كتفنا هناك، هذه كانت وضعيتنا في الأعوام الثلاثين الماضية، هذا الضبع يضرب ضربة من هنا وذاك الأسد يضرب أخرى من هناك. وهذا الأمر ليس ببسيط أبداً، وأنتم رأيتم من كمال جنبلاط مروراً ببشير الجميل ورينيه معوض وصولاً إلى رفيق الحريري وشهداء 14 آذار ومن تبعهم، سلسلة الشهداء الذين سقطوا. اما الذين اغتالوا هؤلاء الشهداء، فقد أصبحوا جميعاً اليوم أمام محكمة الله، والتي من المؤكد أن أحكامها أشد بكثير من أحكام الأرض. لذلك، يمكننا هذا العام أن نعيّد بشكل صحيح".

ورأى أنه "يجب دائماً أن ننظر إلى الأمور تبعاً لمدى التاريخ، وليس تبعاً للمدى القريب أو مدانا نحن. كأن نقول في بعض الأحيان "لماذا لم يحدث الشيء الذي نعمل من أجله منذ ثلاثة أو أربعة أشهر؟ أو نقول إنه قد مر عام ونحن نتظاهر ولم نحقق شيئاً. لا. هذه ليست قياسات التاريخ. فقياسات التاريخ كما رأيناها، ونظام الأسد استغرق أربعين عاماً ليسقط. وأنا هنا لا أقول إن أي مسألة ستأخذ أربعين عاماً لكي تتحقق، وانما ما أحاول إيضاحه وتبيانه هو أن القضيّة الصعبة تحتاج وقتاً وإيماناً راسخاً وعميقاً".

تابع: "الأهم من ذلك كله، كيف استطعتم أن تحافظوا على إيمانكم طوال هذه الفترة من دون أن تكون هناك بوادر واضحة أمامكم أو أي بصيص نور؟ والجواب هو أن هذا هو الإيمان الحقيقي، أن تكملوا المسيرة على الرغم من الظلام الدامس. ولو قررتم عدم المضي قدماً، لما كنا هنا اليوم".

وتوجّه جعجع إلى المهندسين المغتربين الموجودين، قائلا "أنا أتفهم تمامًا الظروف التي دفعتكم إلى ترك لبنان والذهاب إلى بلاد الإنتشار. ربما كان من الجيد أنكم قمتم بذلك، لأن المجتمع الذي يخلو من الإمكانات يموت. ونحن عاينّا هذا الواقع عن كثب في لبنان، فعمدما شحّت الإمكانات، لم يعد هناك مجال للاستمرار. لذلك ذهبتم إلى الغربة، والعذاب، والتعب، والشقاء وبذلك قمتم بتوفير الإمكانات التي يحتاجها مجتمعنا ليصمد. ولكن الآن، يمكنكم أن تبدأوا بالتفكير جديًا في البدء بالتحضير للعودة. لأن الفرص في لبنان ستبدأ بالظهور، وربما تصبح قريبًا أفضل مما هي عليه في الخارج. نحن انتهينا من مرحلة سيئة جدًا، مرحلة اللا دولة في لبنان. انتبهوا، لم نصل بعد إلى مرحلة الدولة، ولكننا نسير في هذا الاتجاه، وسنصل إليها عاجلاً أن آجلاً".