شهدت السنوات الاخيرة، وبالاخص السنة الفائتة، احداثاً لم يألفها اللبنانيون والعالم على حد سواء، وكان يمكن ان تشكّل نقطة انطلاق جديدة لسكان هذا البلد الصغير الحجم، الا ان بعض العادات السيئة تلازم اللبنانيين كدمائهم، ولا يتخلون عنها الا عند الممات. قد يعتقد البعض انه كان يجب علينا (كلبنانيين بالطبع)، ان نأخذ العبر ونتوقف عن "ادمان" بعض الامور التي اثبتت انها لا تفيد شيئاً، ومنها ما هو مضرّ بالفعل للعقل والجسد.
في اولوية هذه الامور، ظاهرة اطلاق النار في الهواء في الافراح والاتراح والمناسبات، ومهما قيل وكتب عن هذا الموضوع، يخرج بعض "الحمقى" ويفرغون مماشط اسلحتهم النارية لتصبح كرؤوسهم، فارغة تماماً، مع فارق كبير وهو ان ما يفعلونه يؤدي الى موت غيرهم. لم تنفع الفتاوى ولا التحذيرات ولا التهديدات ولا التعقل ولا المنطق ولا حتى الاجرام الاسرائيلي، في قطع العلاقة القائمة بين هؤلاء والاسلحة النارية، فتراهم في كل فرصة سانحة (وما اكثرها) يطلقون النار ويحوّلون فرحتهم الى مأساة للآخرين، وحزنهم الى جنازات عابرة للمناطق لا تفرّق بين طفل وامرأة وشاب ورجل. هكذا، بكل بساطة، يقرر هؤلاء "الفاقدي الرجولة والانسانية" القيام بما لم تستطع الكوارث الطبيعية والبشرية تحقيقه، فمن نجا من ماكينة الحقد الاسرائيلي مثلاً، وقع في فخ جهل وحماقة مطلقي النيران الذين وفّروا على اسرائيل ارتكاب جريمة جديدة، ليكونوا بذلك خونة بكل ما للكلمة من معنى، لخيانتهم انسانيتهم ووطنيتهم وابناء بلدهم.
عادة اخرى باتت ملازمة للبنانيين، وهي على الرغم من كونها سيئة، الا انها تبقى اقل خطراً على الحياة من اطلاق النار، عنيت بها الثقة بالمبصّرين و"مشعوذي القرن الحادي والعشرين". وبعد ان كان اللبنانيون بغالبيتهم، يتحملقون حول شاشات التلفزة قبيل اعلان وفاة سنة كاملة، اصبح ادمانهم على "المبصّرين" غير محدود الزمان، وهو ما استغلته وسائل الاعلام بدورها، فأعطت مساحات واسعة لمن يدّعون رؤية المستقبل، مع انهم اثبتوا فشلهم بنجاح منقطع النظير اكثر من مرة، وفي اكثر من سنة. وكلما اعتقدوا ان خدعتهم قد انتهى مفعولها، فوجئوا بأن الكثير من اللبنانيين يعيدهم الى الحياة مجدداً، ويطلب كذبهم واضاليلهم بشكل دائم، فتراهم على متن حصانهم الابيض ويجمعون الاموال على ظهر اشخاص من المفترض ان يكونوا قدوة في الذكاء والمنطق والمثابرة على النجاح، الا ان الواقع يقدّم عنهم صورة مغايرة تماماً تزداد خطورة سنة تلو الاخرى.
ومن العادات السيئة ايضاً التي يتعلق بها اللبنانيون، صرف الاموال الطائلة على فنانين وفنانات محليين وعرب واجانب. وبعد الازمة الاقتصادية والمالية التي لا تزال حاضرة في لبنان، وعلى الرغم من الحيرة التي يتركها معظم اللبنانيين في نفوس الفنانين، يجد هؤلاء ان كسب الاموال في لبنان لا يزال كنزاً لا ينضب، حتى انهم لا يتورعون عن زيادة اسعار التذاكر الى حد خيالي، وفي كل مرة يكون خيالهم اقرب الى واقع البعض الذي لا يملك ما يؤمّن مستقبله ومستقبل اولاده ويحسّن الظروف العامة في بلده، ولكنه رغم ذلك يجد المبالغ الطائلة لدفعها كي يشاهد حفلة هنا او عرضاً هناك، وكأن لا ازمة تخنق رقاب اللبنانيين ولا من يحزنون.
هناك من يقول ان هذه العادات هي من صلب "حب الحياة"، ولكنه مجرد تبرير فاشل لامور سيئة يجب التخلي عنها اليوم قبل الغد، فحب الحياة يكون في مواجهة المشاكل والتغلب عليها بحكمة ووعي ومنطق، وليس بالتفاهة والجهل والاستسلام للحماقة، فمتى تعود هذه الشريحة من اللبنانيين الى رشدها، وتلعب دوراً اساسياً في اعادة نهضة لبنان واستعادته لصورته الحقيقية التي عُرف بها سابقاً؟.