حذّر الرئيس الاميركي الحالي جو بايدن، قبيل الانتخابات الرئاسية الاخيرة، من ان العمليات الارهابية والحوادث الامنية ستكثر اذا ما وصل منافسه (في حينه) الجمهوري دونالد ترامب الى الرئاسة من جديد. اجريت الانتخابات وفاز ترامب مجدداً بولاية رئاسية على عكس التوقعات التي كانت ترجح فوز الديمقراطية كامالا هاريس، وما هي الا اسابيع قليلة فقط حتى ارتفعت وتيرة الاحداث الامنية التي تشهدها الولايات المتحدة، وازداد الخوف والقلق من استمرار هذه الوتيرة في المستقبل القريب. فهل انضم بايدن الى جوقة المنجمين والمتنبئين؟.
الاحداث التي تشهدها الولايات المتحدة حالياً، لا توحي بالكثير من الاطمئنان، هذا الامر يعكسه حديث بعض الاميركيين المقيمين، ومواطنيهم الذين ينتقلون الى بلدان اخرى لفترة من الوقت قبل العودة الى الوطن الام. اما مردّ هذا القلق، فيعود الى ان الانتخابات الاخيرة، كما كانت منذ 8 سنوات فائتة، قد قسمت الاميركيين مجدداً، ولم تنجح في رأب الصدع الذي سببته الحملات الانتخابية القاسية التي ادارها الحزبان الجمهوري والديمقراطي، والتي تركت تأثيرها الكبير على الناخبين والمؤيدين. اضافة الى ذلك، فإن سياسة "النسف" التي يعتمدها ترامب في تعاطيه مع المناصب والتدابير والاجراءات التي كان اتخذها بايدن والفريق الديمقراطي بشكل عام، لا تساهم في تخفيض وتيرة القلق والخوف، بل تعمل على زيادتها لانها قادرة على التأثير سلباً في نفوس المستهدَفين، الذين سيعتبرون ان هذه التدابير "انتقامية" ولا بد من الرد عليها بكل الوسائل.
ولا شك ان الخلافات والانقسامات في المجتمعات، في ايّ مكان في العالم، تشكل "مغناطيساً جذاباً" للمنظمات والمجموعات الارهابية التي تستغل الضعف الواقع فيه الاشخاص، ويضربون على الوتر الطائفي والمادي والاقتصادي والعرقي... واي موضوع آخر، للتغلغل في هذه المجتمعات وزرع الافكار التي كانت مرفوضة في مرحلة سابقة لدى البعض، فتتحول بفعل الانقسامات، الى ارض خصبة لتقبّلها ونشرها والعمل بها، مع كل ما يعني ذلك من خطر يلاحق الولايات والمناطق الاميركية كافة. واذا اتفق الكثيرون على ان حصول حدث ضخم على غرار هجمات 11 ايلول الارهابية الشهيرة، فإن الاعتداءات الامنية المتفرقة لا يجب الاستهتار بها، والتعاطي معها بطريقة غير مدروسة سيساهم حتماً في ازديادها بدل الحد منها. فإذا اعتمد ترامب مثلاً تشريع حمل السلاح وتعميمه على الولايات الاميركية كافة، باعتباره الامر المناسب بالنسبة اليه، فسيكون الامر بالغ التعقيد على القوى الامنية التي سيتم انهاكها، فيما قد تتصاعد الاضطرابات هنا وهناك على خلفيات عرقية وربما طائفية ودينية.
لا يحتاج الامر الى "تنجيم" لتوقع ما يمكن ان يحصل، فيما يراهن ترامب وادراته على ان وقف المشاركة الاميركية في الحروب الخارجية من شأنه ان يعزز التركيز على الوضع الداخلي من الناحية الامنية، والتخفيف من الذرائع للاميركيين من اصول اجنبية لاستعمال العنف من اجل ايصال رسائلهم وافكارهم و"معاناتهم".
من المبالغ فيه تصوير الوضع في الولايات المتحدة الاميركية على انه "سائب" او "متفجر"، ولكن في المقابل لا يمكن التغاضي او تأجيل التعامل مع ما يحصل، لان الاحداث الخطيرة التي شهدتها ولاية ترامب الاولى قبل 8 سنوات، قد تتكرر اليوم بعد ان اضيفت اليها اسباب اخرى كالحرب الاسرائيلية مثلاً على الفلسطينيين واللبنانيين، وغيرها من الاحداث بطبيعة الحال. من هنا، يجد معاونو الرئيس الذي يتحضر لتسلم مهامه رسمياً بعد اقل من شهر، انهم باتوا امام تحدّ حقيقي يجب مواجهته بقوة وبحزم، مع الاخذ بالاعتبار ان المبالغة في التصعيد والتحدي لن تكون طريقاً للحلول، بل يجب العودة الى المنطق والابتعاد عن الانتقام قدر الامكان.