مبروك للبنان انتخاب رئيس للجمهورية بعد نحو سنتين ونصف من الفراغ الرئاسي. وصل ساكن القصر الجديد العماد جوزاف عون بعد معاناة ومفاوضات وضعوطات وسجالات... وصل بعد ان فقد الكثير من اللبنانيين الامل في انتخاب رئيس للجمهورية وانتظام عمل المؤسسات، وبعد ان تسلل البعض من خلال الفراغ للقول ان لبنان لن يعرف رئيساً مسيحياً للجمهورية بعد اليوم. المهم، ان العماد جوزاف عون بات الرئيس الـ14 للجمهورية، والاكثر اهمية انه نجح في جمع الاضداد، فهو اتى على حصان غربي اساسه الولايات المتحدة الاميركية، وبأصوات الثنائي الشيعي الذي عرف كيف يستغل اللعب على التوازن لتحقيق المكاسب. هذه التركيبة الغريبة كانت لتنفجر في اي محطّة اخرى، ولكن تم تجاوز هذا الامر وهدأت التفاعلات التي افسدت كل التوقعات بحصول انفجارات اذا ما تم خلط المكوّنين المذكورين.

هذا الامر جعل من الرئيس جوزاف عون رئيساً دولياً بأصوات شيعيّة، ومع التشديد على انه لا يمكن نزع صفة التمثيل المسيحي عنه، الا انه في المقابل، وبعد ما شهده مجلس النواب خلال جلسة الانتخاب، لا يصحّ ايضاً نكران انه لو لم ينل الثنائي الشيعي ما يريد من ضمانات وتأكيدات، اقلّه على الصعيد الداخلي، لجهة التوجه العام للمرحلة المقبلة، والحفاظ على الوجود الرسمي في المؤسسات والوزارات والادارات الرسمية...

الرسالة التي تعمّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب الله ايصالها للجميع، واضحة وبسيطة ومفادها ان من راهن على تهميش الثنائي ووضعه جانباً وتخطّيه في المعادلات في المرحلة المقبلة، هو على خطأ. اذ على الرغم من كل الثقل والضغط والتفاهم الدولي الهائل على شخص العماد جوزاف عون، استطاع الثنائي فرض معادلته بالقوّة في الجلسة الاولى للانتخاب وافهم الجميع انه لا بد من التفاهم والمشاركة معه في القرارات، والا لن تنفع كل التفاهمات الدوليّة، ويقيناً انه لو لم ينل الثنائي ما يريده، لكنّا امام سيناريو تأجيل الانتخابات الرئاسيّة واستمرار الفراغ لفترة اقلّه تسلّم الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب مهامه بشكل رسمي. من المؤكد انه تم التفاهم مسبقاً على مسألة رئيس الحكومة وشكل الحكومة المقبلة، كما على بعض القرارات والاجراءات التي اتفق عليها الجانبان، لانه ليس سراً ان رئيس الجمهورية، اياً تكن هويته، لا يستطيع تنفيذ اي سطر من خطاب القسم، ما لم يحظَ بدعم الحكومة ومجلس النواب، وتجارب الرؤساء السابقين خير دليل على ذلك، بحيث انه حتى ولو القى الرئيس بثقله لتنفيذ بعض الافكار التي يملكها، فإنه سيجد نفسه مكبّلاً بالقوانين والاجراءات الواجب اتباعها والتي تفرض موافقة الحكومة او مجلس النواب او الاثنين معاً على اي فكرة او طرح رئاسي، والا فإنّ مصيره الادراج والنسيان.

اليوم، اصبح القول بأنّ الثنائي الشيعي اعاد الاعتبار الى وضعه بعد سلسلة النكسات التي مني بها، وان بداية السنة الجديدة اعطته دفعاً مهماً كان يفتقد اليه، ولا شك انه سيكون حجر الاساس الذي سيبني عليه الثنائي طريق العودة الى الحياة، خطوة خطوة في مسيرة ستمتد الى العام 2026، وتحديداً حلول الاستحقاق الانتخابي النيابي، وهو العام الابرز الذي سيعول عليه الجميع لاسباب مختلفة: المعارضون بهدف تقويض حضور الثنائي، وبالتالي نفوذه، وحركة امل وحزب الله كي يثبتا للمعارضين وللجميع انهما لن يكونا لقمة سائغة، وسيقاتلان ولن يسلّما بانهيارهما او طي صفحتهما.

مبروك للبنان بداية عهد جديد، على امل ان يصدق الخارج هذه المرّة ويترجم وعوده الى حقيقة طال انتظارها، فيعيد بارقة الامل للبنانيين الذين يبحثون عن حافز للبقاء في البلد والتفاؤل بمستقبله.