"الحاضِرَةُ-الدَولَةُ الفينيقِيَّةُ-الُلبنانِيَّةُ لا تَطلُبُ المَلِكَ مِن عائِلَةٍ واحِدَةٍ؛ وَلا تأخُذُ المُلوكَ مِن كُلِّ العائِلاتِ تَساوياً؛ هي تَعتَمِدُ الإقتِراعَ وَلَيسَ قاعِدَةَ العُمرِ، لِتَحظى بإستِجلابِ الكَفاءَةِ لِلسُلطَةِ. ذَلِكَ أنَّ المُلوكَ المؤتَمَنينَ على سُلطَةٍ عَظيمَةٍ هُمُ خَطَرٌ إذ يُعانونَ مِن ضَحالَةِ الفِكرِ".

الكاتِبُ-الشاهِدُ لِتِلكَ الحَقيقَةِ لَيسَ إلَّا Ἀριστοτέλης ارِسطوطاليسَ، أحكَمُ حُكَماءِ الإغريقِ، مُرَبِيّ الإسكَندَرِ حينَ كانَ لَمَّا يَزَل مُراهِقاً، في العامِ 343 قَبلَ الميلادِ، بِناءً على طَلَبِ والِدِهِ Φίλιππος فيليبُّسَ الثاني. وَلِأجلِهِ، سَوفَ تَختَمِرُ في عَقلِهِ، بَينَ عامَي 330 الى 323 قَبلَ الميلادَ، مَبادِئ كِتابِهِ الأشَهَرِ: Πολιτικά "مَسائِلَ في السياسَةِ"، بِهَدَفِ إرساءِ حُكمٍ عادِلٍ لِإدارَةِ الـπόλις الدُوَلِ-الحاضِراتِ، بِفَضِل ضَميرٍ جَماعِيٍّ مُنبَثِقٍ مِن مواطَنَةٍ جامِعَةٍ لِمواطِنينَ أسيادَ أنفُسِهِمِ. كِتابٌ سَيُعادُ إكتِشافُهُ خِلالَ القُرونِ الوسطى، إثرَ تَرجَمَتِهِ الى اللاتينِيَّةِ مِنَ الراهِبِ الدومينيكيّ Guillaume de Moerbeke وَتَعميمِهِ عَبرَ دِراسَةٍ موَسَّعَةٍ لِلقِدِّيسِ توما الأكوينيّ In octo libros Politicorum Aristotelis commentarii، رافِعِهِ الى مَرتَبَةِ الأساسِ لِنُموِّ السياسَةِ والأخلاقِيَّاتِ.

الكِتابُ-الشَهادَةُ لِهَذا الأساسِ ما إنطلَقَ إلَّا مِن نَموذَجِ حُكمِ الحاضِراتِ الفينيقِيَّةِ، إذ فَنَّدَ ارِسطوطاليسُ في الجِزءِ الثاني -II-مِنهُ، الفَصلِ V- 1، دَساتيرَها، وَتاجُها دُستورُ صورَ المَنقولِ الى قَرطاجَةَ.

لِمَ دَساتِيرُها تِلكَ الحاضِراتِ؟ ارِسطوطاليسُ نَفسُهُ يُجري مُقارَنَةً مَعَ طَرائِقَ حُكمِها وَطَرائِقَ حُكمِ الإمبراطورِيَّاتِ المُجاوِرَةِ وَحاضِراتِ الإغريقِ. في هَذِهِ الأخيرَةِ طُغاةٌ وَتَعاقُبُ سُلالاتٍ مُستَتبِعَةً الإنصياعَ لِحُكمِ مَلِكٍ أو حاكِمٍ يَستَعليَ فارِضاً الخُضوعِ لَهُ بِإدِّعاءِ إستِنباطِ سُلطَتِهِ مِنَ الآلِهَةِ. هو الأعلى مِن إنسانٍ، إلَهٌ خالِصٌ وَأُلوهَتُهُ تَتَمَظهَرُ بِأشباهِ بَشَرٍ رؤوسُهُمُ لِذِئابٍ أو ثَعابينَ (كَما فَراعِنَةِ مِصرَ)، أو بِنَماذِجَ مُبيدَةٍ وَمُبادَةٍ (كَما حُكَّامُ إسبارطَةَ وأثينا)، لَهُمُ سُلطانُ الحَياةِ والمَوتِ وَما بَعدَهُ (كَما مُلوكُ فارِسَ وَبابِلَ وَسائِرَ المَشارِقِ).

أفي اللامُمكِنِ إحداثُهُ مِن تَغيِّيرَ، حُكمُ الإنسانِ لِلإنسانِ؟.

ارِسطوطاليسُ وَجَدَ مُصالَحَةَ الإنسانِ مَعَ حُكمِ ذاتِهِ في حاضِراتِ لبنانَ.

عَبقَرِيَّةُ تَسامي المَعِيَّةِ

لَم يَهدِف الإغريقيُّ إلَّا إستِلهامَ تَسامٍ لِمَعِيَّةِ الإنسانِ الحاكِمِ والإنسانِ المَحكومِ. مَعِيَّةٌ هي شَرطُ إنسَنَةِ السياسَةِ وَتَحقيقِها... بِعَبقَرِيَّةِ كائِنٍ فيها بِكِرامَةٍ، لا مُجَرَّدَ رَقمٍ لِمُضاعَفَةِ تَهَيمُنٍ.

هو شَهِدَ وَكَتَبَ: "هي عَبقَرِيَّةٌ دُستورِيَّةٌ لَدى الفينيقِيِّينَ-الُلبنانِيِّينَ"، إنبِثاقُها مِن "عُمقِ تَنظيمٍ إدارِيٍّ سياسِيٍّ تَوَسَّعَ حَتَّى الى مُستَعمَراتِهِمِ الحَضارِيَّةِ". وَما قِوامُها؟ الإقتِراعُ تَتميماً لِكَمالٍ: الكَفاءَةُ مِن عَطِيَّةِ الغِنى الفِكريِّ.

أفي ذَلِكَ دينامِيَّةُ عَبقَرِيَّةِ تَسامي المَعِيَّةِ؟ ذاكَ الشأنُ العامُّ الذي أعلاهُ ارِسطوطاليسُ نَموذَجاً لِصَوغِ تاريخٍ جَديدٍ لِلإنسانِ مَعَ الإنسانِ. كِيانِيَّةٌ صَميمِيَّةٌ تَمَيَّزَت حينَ إنتَهَجَتها أُمَمٌ كَبُرَت بِفَضلِها، سائِرَةٌ مِن تَأصُّلِ خاصِيَّةِ الإنسانِ الى مَلَكوتِ الإنسانِ المُتَصالِحِ... حَتَّى مَعَ الأُلوهَةِ. ألَم يَلحَظ ارِسطوطاليسُ أنَّ إيتوبَعلَ مَلِكَ صورَ بَينَ عامَي 888 و856 قَبلَ الميلادِ إكتَفى بِلَقَبَينِ: "كاهِنُ الإلَهَةِ الأُمِّ" و"خادِمُ الشَعبِ"؟ ألَم يَتَمَعَّن بِ"مَجلِسِ المِئَةِ" مُعاونيهِ، وَهو مَحكَمَةٌ عُليا مِنَ الحُكَماءِ لِتَوطِيدِ الحَقِّ؟

هو الشاهِدُ-المُعتَرِفُ: "ما يُثبِتُ بِدِقَّةٍ حِكمَةَ دُستورِهِمِ أنَّهُ على الرَغمِ مِنَ السُلطَةِ التي يَمنَحُها لِلشَعبِ، لَم نَرَ... أبَدًا تَقَلُّباتٍ في طَرائِقَ الحُكمِ، وَلَم نَشهَد فَوضَوِيَّةً وَلا أيَّ طُغيانٍ."

إعتَرِف: هو لبنانُ المُتَّخِذُ مَوقِفَ الحَسمِ الأبهَرِ لِحُكمِ الوجودِ. لِذا، الإسكَندَرِيُّونَ القائِمونَ، داخِلاً وَخارِجاً، بِسُلطَةِ إقتِدارِ التَسَيُّدِ لِلإستِعبادِ يَرومونَ مَحوَهُ... إذ هو المؤذِنُ بِسُقوطِهِمِ.