واخيراً، تم الاعلان عن وقف اطلاق النار بين حركة "حماس" واسرائيل بشكل رسمي، بعد عملية طوفان الاقصى التي حصلت في 7 تشرين الاول 2023. انتهت الحرب، ومن المتوقع ان يهدأ صوت القصف والصواريخ في المنطقة بأسرها، في الاراضي الفلسطينية المحتلة بعد ان هدأت في لبنان، وفي سوريا واليمن وحتى في ايران. كالعادة، لم يكن هناك اعلان عن خاسرين، فاسرائيل اعلنت انتصارها، ليس فقط في غزة والاراضي الفلسطينية، بل في لبنان وسوريا، فيما تبنّت "حماس" والفصائل الفلسطينية وحزب الله خطاب النصر والحاق الهزيمة التاريخية باسرائيل بموافقة وشهادة دعم من ايران على لسان الحرس الثوري.

نعم، انتهت الحرب، ولكن يمكن القول بكل موضوعيّة انه قد بدأت الكارثة. الكارثة في غزة وفلسطين حيث المأساة الحقيقية في الاعداد المهولة للبشر والحجر الذين وقعوا ضحية الهمجيّة الاسرائيلية، مع الاخذ في الاعتبار صعوبة اعادة الاعمار الا وفق شروط لن تكون في مصلحة الغزاويين بطبيعة الحال. اضافة الى ذلك، ليس خفياً ان القضية الفلسطينية ككل عادت الى الوراء بعد ان شهدت خطوات عملاقة الى الامام، وبات حلّ الدولتين اضعف من اي وقت آخر، لان موقف الفلسطينيين اصبح ضعيفاً جداً على الساحات كافة: المحلية والدولية والعربية. وبدأ الاردن ومصر يشعران بسخونة الموقف والصعوبة التي يمكن ان يشكلها ما يتم طرحه من حلول لتوطين الفلسطينيين، و"تصغير" حدود دولتهم الى الحد الادنى في الاراضي المحتلة والاستعاضة عنها بأراض تابعة للدولتين العربيتين المذكورتين.

الكارثة ايضاً ستكون في لبنان، اذ انه على الرغم من "الحماسة" الدولية لتشجيع اللبنانيين على استكمال مسيرتهم الجديدة التي بدأت بانتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس حكومة من خارج نادي الشخصيات السياسية، يبدو واضحاً ان لاسرائيل اليد العليا حالياً في "فرض" امور وقرارات تصب في مصلحتها. واذا كان صحيحاً ان حزب الله لا يزال فاعلاً على الساحة السياسية ويرفض القبول بالاستسلام او التهميش، فإنه بات موضع اسئلة دقيقة على الساحة العسكرية والاستخباراتية، وفقد الكثير من هالته وصورته التي عمل على بنائها لعقود طويلة من الزمن، فيما بات من المؤكد ان استشهاد امينه العام السابق السيد حسن نصر الله هو امر من الصعب جداً تعويضه في المجالات كافة: العسكرية والسياسية والمعنوية والادارية. وفيما يتوقع ان يعمل حزب الله على التكيّف مع المرحلة الجديدة التي من المفترض ان يعيشها لبنان، والتي قد تشهد جنوحاً اكبر نحو الغرب في الامور الاساسية، فإن الثمن الذي سيكون مقابل هذه التغييرات، قد يكون السير في التطبيع مع اسرائيل على غرار الدول العربيّة، مع الخوف من ان يخسر لبنان ايضاً جزءاً من اراضيه وحقوقه لانجاز هذه الخطوة.

اما الكارثة في سوريا، فحدّث ولا حرج، فبدل ان يكون غياب سلطة آل الاسد فرصة نادرة بعد اكثر من 50 عاماً، لبناء سوريا جديدة قائمة على مفاهيم الديمقراطية والاخوّة والسيادة المطلقة، نرى ان الامور تسير بخطى ثابتة نحو الاتجاه المعاكس. فها ان تركيا واسرائيل قد عملتا بشكل فوري، على تحييد اي تهديد لسلطتهما ونفوذهما، ولم يتورّعا عن التوغل الى داخل الاراضي السورية والقيام بما يحلو لهما تحت ستار "محاربة الارهاب". وقامت اسرائيل لوحدها بتدمير كل القدرات العسكرية السورية وسط تصفيق دولي وسرور الدول الغربية التي نأمل الا تدفع في وقت لاحق ثمن تفضيل فصائل مسلّحة نشأت على مفاهيم الارهاب، على غيرها من القوى المدنيّة كي تتسلّم السلطة.

انها خريطة جديدة للشرق الاوسط بكل ما للكلمة من معنى، ومع كل ما تحمله من "كوارث" على الدول المعنية غالباً ما ترافق اي تغييرات جذرية في المساحات الجغرافيّة في ايّ مكان في العالم، والفرح الحقيقي ليس في وقف اطلاق النار وسكوت لغة المدافع والصواريخ، بل تخطّي مرحلة القلق والخوف من تغيير صور دول وبلدان وشعوب... الى الاسوأ.