أوحت الاندفاعة التي حصلت مع انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون، ثم تكليف رئيس لتأليف الحكومة نواف سلام من خارج الحسابات السياسية التقليدية، أن ولادة الحكومة ستكون سهلة للغاية. لكن العقد حلّت دفعة واحدة في مواجهة جهود سلام، وألزمته ان يدخل في دوّامة المنظومة السياسية والوقوف عند خاطرها، تحت طائلة اسقاط حكومته. وهي عقد متعددة، بدءاً من خرق معايير التوزير القائمة على الوجوه الجديدة، إلى نوعية الحقائب، والبيان الوزاري، والتعيينات لاحقاً، إلى شروط التغييريين.
ويقول المطّلعون "إن رئيس الحكومة المكلّف لقي دعماً دولياً استثنائياً لن يتكرر، مما يتيح له التحرّر من الضغوط السياسية الداخلية، لكنه لم يفعل، وأظهر استعداده للتعاون مع كل الأوزان النيابية - السياسية، نتيجة مخاوفه من عدم النجاح في التجربة الاولى له، وخشية ان يكون مصيره الفشل، كمصير زميله السفير مصطفى اديب".
ويضيف المطلعون أن سلام يتعرض لضغوط القوى السياسية ومجموعات التغييريين، وهي كالتالي:
- تصرّ قوى التغيير على توزير اسماء جديدة، بعنوان كفاءات، ويقوم نواب من قوى التغيير بالتواصل مع شخصيات لبنانية ناجحة خارجيا، لم يسبق لها ان تولّت مسؤوليات او مهام في لبنان، حتى ان بعضها لم يزر بيروت منذ سنوات. وتعتبر قوى التغيير ان الفرصة مؤاتية حالياً لها، لفرض مرشحيها في حقائب اساسية تحت عنوان الإصلاح. وهو امر يضع سلام بين مطرقتها وسندان القوى السياسية التقليدية.
- يطالب الثنائي الشيعي بصيغة بيان وزاري لا تُلغي معادلة المقاومة، او تُظهر شطبها من الحسابات الحكومية، ويجري البحث عن مصطلحات ملطّفة تحفظ للمقاومة دورها في لبنان.
- استطاع الثنائي الشيعي ان يفرض الحصول على حقيبة المالية، بعكس كل التوقعات التي كانت تعتبر ان سلام سيتجنّب ان تكون الحقيبة مخصصة لفريق معيّن. كما فرض الثنائي النائب والوزير السابق ياسين جابر لهذه الحقيبة، وهو سياسي قديم، كان عضو كتلة حركة امل منذ عام 1996, وتولى وزارات لسنوات عدة، ولا تنطبق عليه معايير التوزير التي رفعها سلام لجهة التجديد.
من جهة ثانية يسعى حزب الله لابقاء حقيبة الأشغال العامة و النقل معه، او احدى وزارتي الصحة او الاتصالات، وهو امر يقطع الطريق على احزاب اخرى تطالب بتلك الحقائب، ابرزها القوات.
- تتسابق القوى السياسية المسيحية للحصول على حقائب وزارية دسمة، بعد ضمان حصّصها الوزارية: يريد حزب القوات وزارات اساسية، من بينها الطاقة والاشغال العامة والنقل او الصحة، وقد جهّز وزراءه لتلك الحقائب.
كما يريد التيار الوطني الحر حقائب وازنة، كالاتصالات، او التربية، او الأشغال العامة والنقل، او الصحة. وكذلك يحاول الكتائب ان يكون تمثيله اساسياً وغير هامشي. واللافت ان قوى التغيير تحفظ لها حقيبة من الحصة المسيحية ستكون على الارجح لوزارة الخارجية والمغتربين التي يُطرح لها اسم بول سالم الذي حضر من الخارج إلى لبنان لمواكبة التأليف الحكومي والاستعداد لتولي الحقيبة.
- يحاول سلام ان يقبض على التمثيل السنّي الأساسي في الحكومة، وهو يتوجه لتسمية محمد عالم لوزارة الداخلية والبلديات، الذي ينال دعماً سعودياً بالاساس. بينما تحاول شخصيات سنّية تسويق نفسها، خصوصاً ان الكتل النيابية السنّية تعتبر انها الممثل الأساسي الذي يحق له الحصول على حقائب وزارية.