منذ تاريخ إنتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ثم لاحقاً تسمية رئيس الحكومة المكلف نواف سلام، بدأ الحديث عن العودة السعودية إلى لبنان، لا سيما أن المملكة لعبت دوراً أساسياً في الإستحقاقين، بعد أن كانت تكتفي بالدور الذي تقوم به من خلال اللجنة الخماسية، التي تضم إلى جانبها كل من أميركا ومصر وقطر وفرنسا.
إنطلاقاً من ذلك، ينبغي مقاربة زيارة وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان إلى لبنان، بالتزامن مع الحديث عن عدد كبير من الإتفاقيات، التي من المرجح أن توقع بين البلدين في المرحلة المقبلة، حيث العنوان يبقى أنّ الرياض تريد، بعد أن كانت تفضل الإبتعاد، العودة بقوة إلى الملف المحلي، مع العلم أن المعلومات كانت تشير إلى أن هذه الزيارة كان من المفترض أن تحصل قبل الإنتخابات الرئاسية.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن هذه العودة مرتبطة بالتحولات التي حصلت على الساحتين الإقليمية والمحلية، كما كان الإبتعاد مرتبطاً بالواقع الذي كان سائداً في الماضي، حيث أن الرياض كانت لديها لائحة طويلة من المطالب، التي تضعها كشروط مباشرة، قبل الحديث عن أي عودة إلى الملف اللبناني، خصوصاً مع مرحلة السجال السياسي مع "حزب الله"، والإتهامات التي كانت توجه له بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج.
وتذكر هذه المصادر بـ"ورقة الأفكار" التي كان قد حملها إلى بيروت، في شهر كانون الثاني من العام 2022، وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، تحت عنوان "إعادة بناء الثقة بين دول المنطقة ولبنان"، حيث تلفت إلى أن الواقع السياسي في البلاد لم يكن يسمح بتطبيق البنود التي تضمنتها بشكل جدي، خصوصاً تلك المتعلقة بتنفيذ القرارات الدولية، لا سيما لناحية الحديث عن وضع إطار زمني لتنفيذها.
ما بين زيارة وزير الخارجية الكويتي في ذلك الوقت وزيارة وزير الخارجية السعودي في الوقت الراهن، تبدلت الكثير من الوقائع، الداخلية والإقليمية، أبرزها تداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان وسقوط النظام السوري السابق، لكن قبل ذلك كان الجميع يدرك ضرورة تأمين الظروف المناسبة لعودة الرياض إلى بيروت، وهو ما كان يتم التعبير عنه من خلال رفض قوى الثامن من آذار إنتخاب رئيس لا يحظى بموافقتها.
في هذا الإطار، تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى أن هناك مصلحة سعودية في العودة، مرتبطة بأكثر من معطى، أبرزها أن إبتعادها يعني ترك مساحة فارغة، من الممكن أن تسعى العديد من الجهات الإقليمية إلى إستغلالها، لا سيما أن هناك من بدأ يشير إلى أن تركيا تطمح إلى هذا الفعل، بعد سيطرة الجماعات المتحالفة معها في سوريا، خصوصاً أن معالم هذا الأمر كانت قد ظهرت في العديد من المناطق اللبنانية.
في المحصّلة، تشير هذه المصادر إلى ان الرياض التي تسعى إلى مد اليد إلى السلطات السورية الجديدة لمنع سيطرة النفوذ التركي بشكل كامل، من الطبيعي أن تسعى إلى منع تمدده إلى الساحة اللبنانية، لكنها تشدد على أنه لن يكون من خلال العودة إلى النهج الماضي، بل ان الرياض تفرض نهجاً جديداً في التعامل، عنوانه أن أي خطوة من قبلها، بالنسبة إلى المساعدات الماليّة، لن تحصل قبل تحقيق المطلوب من الأفرقاء اللبنانيين، وهو ما يتم وضعه في سياق الحديث الدائم عن الإصلاحات.