انتهت الحرب على غزة بالوصول إلى اتفاق تبادل للأسرى ووقف لإطلاق النار على ثلاث مراحل، وعادت الروح إلى قلوب أبنائها الذين تحملوا ما لم يتحمله شعب بالتاريخ من حرب إبادة تضمنت كل وسائل القتل والتنكيل والتدمير، فكانت النهاية بعد شهرين على وقف حرب لبنان التي بدأت لإسناد غزّة وانتهت بعدوان إسرائيلي كامل على لبنان أدّى من ضمن ما أدى إليه إلى استشهاد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله.
خرج مقاتلو حركة حماس للإحتفال بالشوارع مع أهلهم، وقاموا بحسب ما تصف وسائل إعلام العدو باستعراض القوة بعد الحرب، الأمر الذي أدّى إلى بروز سردية في لبنان تتحدث عن الفارق بين اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وغزة، فاعتبر أحدهم أن "الإتفاق في لبنان هو بطعْم الهزيمة وفي غزة بطعْم الفخر والإنتصار". فهل يمكن فعلاً مقارنة الإتفاقين؟.
تُجيب على هذا السؤال مصادر في الثنائي الشيعي، معتبرة أنه من الظلم للبنان وتضحيات شعبه ومقاومته أن يتم طرح مقارنة كهذه لعدة أسباب أبرزها على الإطلاق حجم الحرب ومدتها وطبيعتها ونشأتها.
بحسب المصادر فإنّ الفارق الأول بين الحربين، وبالتالي بين الإتفاقين، هو المدّة، فالحرب على غزة استمرت لـ470 يوماً تقريباً، بينما في لبنان كانت 66 يوماً، مشيرة إلى أنه كان يمكن للبنان ومقاومته رفض اقتراح وقف إطلاق النار واستمرار الحرب بغض النظر عن النتائج التي كانت ستنتهي إليها. وتضيف: "هناك فارق أساسي بين المفاوضات التي خاضتها "حماس" وتلك التي خاضها لبنان، فالأولى كانت تمتلك ورقة الأسرى ولا شيء غيرها، وبالتالي كانت تدفع باتّجاه تلبية شروطها بسببهم اولاً ولغياب ما يمكن أن تخسره ثانياً، فهي خسرت قادتها ومدينتها التي دُمّر حوالي 70 بالمئة من عمرانها وخسرت ما يزيد عن 170 ألفاً من سكان القطاع الذين إما جُرحوا أو قتلوا، أما لبنان فقد خاض المفاوضات للدفاع والحفاظ عن كل ما تبقى من بشر وحجر وبلد".
وتكشف المصادر ما لم يتم كشفه سابقاً خلال مرحلة التفاوض مع لبنان وهو أنه عندما عُرض ما عُرض عليه، وعدّل ما عدّل، كان الجو الاميركي واضحاً للغاية، وهو إما القبول بالطرح بعد تعديلاته التي عمل عليها الفريقان اللبناني والأميركي وإما الانتظار إلى مرحلة تسلّم دونالد ترامب الرئاسة، وتوقف الحرب في غزة، وهذه الرسالة نُقلت إلى اللبنانيين والإيرانيين على حدّ سواء، وبالتالي كان الخيار أمام لبنان إما وقف الحرب عليه، وإما استمرارها لشهرين إضافيين على أقل تقدير، فهل كنّا لنتحمل هذه المدة، مع العلم أن الحزب كان سيصمد ولو تلقّى الكثير من الخسائر، وكان يمكنها مع انتهاء الحرب القول أنه انتصر بصموده، لكن ماذا عن شعبه ومدنه وقراه"، مشيرة إلى أن الإيرانيين يومها ساهموا بشكل فاعل بقبول الحزب بما هو مطروح عليه".
كذلك هل يمكن مقارنة ملف النازحين في لبنان بملف النازحين في غزة، تسأل المصادر، مشيرة إلى أنّ مدينة غزة كانت كلها تحت النار، وقيادة المدينة بيد حركة حماس، بينما في لبنان كان ملفّ النازحين بمثابة قنبلة موقوتة كادت أن تنفجر أكثر من مرة وفي أكثر من منطقة، وقيادة لبنان مزيج من قوى سياسيّة جزء كبير منها كان معارضاً للحزب، فهل يمكن مقارنة الحربين والإتفاقين بظلّ هذه الوقائع التي تنطلق من شكل المفاوض وانتمائه لحزب أو دولة؟.
كان يمكن للحزب أن يستمر وينتصر بصموده، لكن على حساب ماذا، تقول المصادر، مع العلم أن الحرب على لبنان كانت بضوابط معينة لو تخطاها العدو الإسرائيلي لكان المشهد أصعب بكثير، فماذا لو استهدف بيروت بمن فيها من كتلة بشريّة ضخمة، وقد شهدنا ليلة واحدة تم استهداف فيها مدينة بيروت بالطائرات المسيّرة، وماذا لو استهدف مراكز إيواء للنازحين كما فعل في غزة؟.
بالنسبة إلى مصادر الثنائي الشيعي فإن الوقائع التي يمكن على أساسها تقييم عملية التفاوض، من شكل الحرب إلى نتيجتها. والنتيجة هي أمر مهمّ للغاية هنا، تؤكد بما لا يترك مجالاً للشكّ بأنّ المقارنة ظالمة ومجحفة، وإن كان البعض يطرح المقارنة من باب حسن النية فهذا طبيعي، أما من يطرحها من باب المزايدات فهذا يُعدّ جريمة بحق اللبنانيين الذين قدّموا أغلى ما لديهم لأجل غزة وأهلها.