انتهت بالامس مهلة الـ60 يوماً التي كانت تحددت لوقف الاعمال القتالية تمهيداً لترسيخ وقف اطلاق نار دائم بين لبنان واسرائيل، ولكن قبل هذا التاريخ، بدأ المسؤولون الاسرائيليون بنشر سمومهم عبر الاعلام وفي اتصالاتهم مع المعنيين من الدول الكبرى المعنية بتطبيق الاتفاق. ومنذ ايام قليلة، كان جس النبض قد فعل فعله، وتحضّر الجميع لقرار اسرائيل بعدم الانسحاب بعد ان القت بالتهمة على الجيش اللبناني الذي "تأخر" في الانتشار، علماً ان هذه الوقاحة وهذا الكذب لا يمكن تصديقه، فالوقائع ظاهرة وما تقوم به القوات الاسرائيلية من اعتداءات وتدمير واطلاق نار على الجيش ورفع سواتر وعوائق على الطرقات، كلها عوامل من شأنها عدم السماح للجيش بالانتشار وتنفيذ بنود الاتفاق.

ازاء هذا الامر، كثر الحديث عن امكان معاودة الحرب والخوف من تداعيات هذا الامر على اللبنانيين في مختلف المناطق، فتكثفت الاتصالات وصدرت المواقف المحلية الداعية الى عدم السماح لحزب الله بالتفرد بقرار الحرب والسلم، خصوصاً بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وتحميله كل المسؤولية في حال اقدم على خطوة من هذا النوع. ولكن، وفق ما تظهره الاحداث ومجرياتها، فإن لا حماس لاحد لعودة الحرب، فمن جهة اسرائيل، ذاق اهالي الاسرى طعم استعادة بعض الأسرى، وبات من الصعب خرق الاتفاق الذي تم التوصل اليه مع "حماس" لاستعادتهم، كما ان وضع الجيش الاسرائيلي لا يسمح بمعاودة القتال حالياً في ظل الخلاف الكبير القائم بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية والحديث الذي خرج الى العلن عن نية استقالة مسؤولين وقادة (رئيس هيئة الاركان اي اعلى الهرم وصولاً الى ضباط ميدانيين)، ومن الصعب جداً خوض حروب على جبهات عدة من دون قيادة متمكنة وتملك الخبرة اللازمة للاستمرار والتخطيط. وفوق كل ذلك، لا يجب ان ننسى الامر الاهم وهو عدم وجود اي رغبة لدى الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب في عودة الحرب الى المنطقة، على اي جبهة كانت، وهو كان واضحاً في هذا الشأن، ولا يمكن للمسؤولين الاسرائيليين اغضابه، وبالاخص في الايام الاولى من ولايته الرئاسية.

اما على الخط اللبناني، فالامر لا يختلف لجهة عدم الرغبة في اشعال حرب جديدة، لانه من الناحية الميدانية، لم يعد لحزب الله اليد الطولى في المواجهة، فالاسرائيلي دخل الى الاراضي الجنوبية، وقام على مدى 60 يوماً بكل ما يشاء من هدم وتدمير ونسف، وخلق بذلك مساحة "آمنة" له تمتد لمسافة كيلومترات، وبات الحزب في حال قرر العودة الى القتال، بحاجة الى الانطلاق من اماكن بعيدة وتدبير وسائل اخرى للتعويض عن النقص الذي حصل في معداته العسكرية وذخائره، مع العلم ان خطوط الامداد من الخارج اصبحت شبه مقطوعة، وسيجد نفسه في موقف اضعف مما كان عليه قبل 60 يوماً على الجبهة الميدانية. اضافة الى ذلك، من غير المرجح ان يستطيع الحزب استيعاب غضب بيئته اذا ما عادت الحرب، فكل الذين عادوا الى الضاحية وبعض المناطق الجنوبية، سيكونون مضطرين الى الهجرة الداخلية مجدداً، مع كل ما يعنيه ذلك من سخط وقلق وتشريد، وهو ما لا قدرة للحزب على التعامل معه.

البديل بدا وكأنه هو الحل، وقضى باعتماد استراتيجية دفاعية مستقاة من استراتيجية غاندي القائمة على المقاومة "سلمياً"، وهي خطة نجحت في تحرير الهند، فما الذي يمنعها من النجاح في لبنان؟ السلبية الوحيدة لهذه الاستراتيجية هي في عدد الشهداء الذين سيسقطون على ايدي المجرمين الاسرائيليين، ولكن من جهة ثانية، فإن آلة القتل الاسرائيلية التي لا ترحم، تسقط الشهداء من دون اعتبار، وما حصل في ايلول وتشرين الاول الفائتين، دليل على ذلك اذ سقط اكثر من 4 آلاف لبناني مدني من مختلف الاعمار، فما الفارق بين من سقطوا بالامس في الجنوب بنيران الاحتلال، وبين من سبق ان سقطوا بقذائف وصواريخ الاحتلال نفسه؟

فهل ستتغير المعادلة اذا ثبتت جدوى استراتيجية غاندي؟.