في أخطر منعطف، تواجه وكالة "الأونروا" تحديًا مصيريًا بحظرها من العمل داخل "إسرائيل"، بما فيها القدس والضفة الغربية، تنفيذًا للقانون الذي أصدره الكنيست الإسرائيلي في 28 تشرين الأول 2024، والذي يدخل حيّز التنفيذ بعد 90 يومًا من إقراره.
وفيما أبلغت إسرائيل الأمم المتحدة بضرورة وقف عمليات الوكالة وإخلاء مقارّها في القدس بحلول يوم الخميس 30 كانون الثاني، طُرحت تساؤلات كثيرة حول الرد، فهل ستُنفّذ الأمم المتحدة ما ورد في الرسالة الإسرائيلية؟ أم سيكون لها موقف جاد يحمي وينقذ مؤسسة عريقة من مؤسساتها؟ أم ستكتفي بدبلوماسية الرد والإعراب عن الرفض، ودعوة إسرائيل للتراجع عن قرارها، لما في ذلك من مخاطر على الوضع الإنساني للاجئين؟.
وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة" أن قرار الحظر يأتي ضمن المحاولات الإسرائيلية المستمرة لتصفية قضية اللاجئين، التي تُعدّ "الأونروا" أحد أركانها الأساسية، باعتبارها شاهدًا حيًا على نكبة فلسطين وحق اللاجئين في العودة.
وأوضحت المصادر ذاتها "أنه لا يحقّ لأي جهة إلغاء "الأونروا" أو تقويض عملها إلا بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة". وأشارت إلى أن خطورة القانون الإسرائيلي لا تقتصر على الداخل الفلسطيني، بل تتعداه إلى أماكن تواجد اللاجئين، بحيث يجدون أنفسهم أمام ثلاثة سيناريوهات:
تحميل إسرائيل المسؤولية على اعتبارها قوة احتلال، وقد سبق أن قال المفوّض العام للوكالة، فيليب لازاريني، إنه "في حال غياب "الأونروا" أو المؤسسات الفلسطينية الرسمية، سيتعين على دولة "إسرائيل"، كقوة احتلال، توفير المساعدات والخدمات للسكان في جميع الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك غزة".
البحث عن جمعيات دولية لتقوم بمهامّها ونقل خدماتها للمفوضية العليا للاجئين كمقدمة لشطب حق العودة.
تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية رعايتهم في الداخل، وقد بدأ الترويج لـ"الحل السياسي الأفضل للفلسطينيين" المرتبط بالدولة الفلسطينية، وبالتالي القضاء على مستقبل اللاجئين وحقوقهم المشروعة وفرض ذلك على الدول المضيفة بما يشبه التوطين.
لا بديل عن "الأونروا"
وفي دردشة مع "النشرة"، أكّد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون اللاجئين، أحمد أبو هولي، الذي زار لبنان منذ أيام، أننا في مرحلة غاية في الخطورة لاستهداف "الأونروا"، وإنهاء دورها أو استبدالها بمنظمات دولية، أو إلقاء هذه الخدمات على عاتق الدول المضيفة، وتحديدًا فلسطين والأردن ولبنان وسوريا.
وأكّد أن موقف المنظمة واضح بأن لا بديل عن "الأونروا"، وأن تبقى مستمرة في عملها حتى إيجاد حل سياسي عادل وشامل لقضية اللاجئين وفقًا للقرار 194، بحق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات. محذرًا من خطورة تعليق الإدارة الأمريكية دعمها المالي للوكالة، والذي يمثل نحو ثلث موازنتها السنوية التي تُقدّر بنحو 365 مليون دولار أميركي.
وقد وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد توليه مهامه رسميًا، لمدة 90 يومًا، على تعليق جميع برامج المساعدات الخارجية "مؤقتًا"، لحين إجراء مراجعات لتحديد مدى توافقها مع أهدافه السياسية، ومن ضمنها تمويل "الأونروا". وكانت الولايات المتحدة الأميركية من المقرر أن تستأنف مساعداتها المالية في شهر آذار القادم، بعدما صدر في حقبة الرئيس السابق جو بايدن قرار من الكونغرس الأميركي بمنع تمويل "الأونروا" حتى آذار 2025.
لجوء لبنان
توازيًا، يشكّل قانون الحظر الإسرائيلي هاجسًا كبيرًا لدى أبناء المخيمات في لبنان، نظرًا للأوضاع المعيشية الصعبة منذ الانهيار الاقتصادي في العام 2019، ناهيك عن استمرار حرمانهم من حقوقهم المدنية والاجتماعية والإنسانية، ولا سيما حق التملك والعمل، مما يشكل ضغطًا إضافيًا قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي في المستقبل القريب.
وحذرت مصادر فلسطينية عبر "النشرة" وكالة "الأونروا" من الرضوخ لأي سيناريو، مؤكدة أن واجبها هو الدفاع عن وجودها ومصيرها، إذ إنها مؤسسة دولية وليست عربية أو فلسطينية، واستمرار تقديم مساعداتها، التي هي زهيدة أصلًا. متوقعة أن تشهد الوكالة أزمة مالية خانقة في العام 2025 بسبب قطع المساعدات أو خفض المساهمات من قبل بعض الدول، بحيث تصبح غير قادرة على تقديم البرامج للاجئين ودفع رواتب موظفيها في إطار إنهاء عملها وتفكيكها.
ودعا أمين سر اللجان الشعبية في لبنان، سرحان يوسف، المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته تجاه اللاجئين الفلسطينيين، والعمل من أجل تثبيت موازنة ثابتة ومستدامة للوكالة أسوة بباقي مؤسسات الأمم المتحدة، وإلى استمرار وكالة "الأونروا" في تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين في الأقاليم الخمسة وتحسينها على كافة الصعد والميادين، ولا سيما في لبنان بسبب الظروف الحياتية والمعيشية الصعبة التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني.
وأكّد على ضرورة العمل موحّدين، فصائل وقوى واتحادات وفعاليات شعبية واجتماعية، على التمسك بـ"الأونروا" والحفاظ على مؤسساتها واستمرار عملها وخدماتها بما يلبي مصالح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.