تقدّم رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، بطلب أيّد بموجبه طلبات مستدعي مراجعتَين مقدّمتَين من قبل محامين، لدى مجلس شورى الدولة، لإبطال التّعميمَين الصّادرَين عن مصرف لبنان 151 و165.

لكن في الشّكل، لا وجود للتّعميم 151 حاليًّا، بعدما ألغاه مصرف لبنان المركزي منذ أكثر من سنة، بمجرّد عدم تجديده أو تمديد العمل به. فكيف يمكن قبول دعوى لإلغاء تعميم غير موجود أساسًا حاليًّا؟ وبالتّالي إنّ البناء على دعوى لإبطال ما هو غير موجود قانونيًّا، هو مستغرَب عند أهل العلم والاختصاص.

أمّا التّعميم 165، فقصّته تختلف كليًّا، لأنّه أتى للتّكيّف مع واقع نقدي لبناني كان موجودًا منذ إعلان المصارف عن عدم قدرتها على إعطاء المودعين أموالهم الّتي أودعوها قبل تشرين الأوّل 2019. وهي مسألة جدليّة، بحيث أنّ الإيداعات باتت تحتاج إلى قوانين تصدر عن المجلس النّيابي لحلّ قضيّة المودعين، وليس من المصرف المركزي الّذي لا يملك قدرات تخوّله دفع المستحقّات: هل الدّولة هي المسؤولة أم المصارف؟ لا جواب بعد، بانتظار الحلّ التّشريعي الغائب منذ بدأت الأزمة الماليّة عام 2019.

بالإنتظار، لجأ مصرف لبنان إلى إصدار تعميم في نيسان 2023، يُعنى بعمليّات التّسوية الإلكترونيّة للأموال النّقديّة، مستندًا إلى واقع كان موجودًا بتمييز الأموال المعروفة بـfresh، عن الّتي كانت موجودة قبل الأزمة. وهو تعميم حقّق أهدافه بتخفيف الاعتماد على الـ"cash economy"، ومنع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب عبر لبنان.

وعندما صنّفت مجموعة "فاتف" لبنان في اللّائحة الرّماديّة، أكّدت أنّ المصرف المركزي والقطاع المصرفي غير معنيّين بالتّداعيات نتيجة التزامهما بما هو مطلوب دوليًّا، أي بالأهداف الّتي حقّقها التّعميم المذكور.

فهل المطلوب الآن الغاء تعميم يضبط الـ"cash"، والذّهاب إلى أزمة خطيرة باتجاهَين: مع المنظّمات الدّوليّة الّتي ستعيد النّظر بعلاقاتها مع القطاع المصرفي اللّبناني، فيدفع المواطنون الثّمن، وأيضًا حصول تضخّم نقدي داخلي وتفلّت سعر الصّرف مجدّدًا، والدّخول في لعبة المضاربة؟

قد يكون مقدّمو الدّعاوى غير مطّلعين على تداعيات خطوة كهذه، ستكون تداعياتها كارثية بحقّ لبنان، نتيجة الطّلب بشطب التّعميم 165 تحديدًا، لأنّ الشّكّ بأنّهم مستفيدون من إلغاء التّعميم المذكور، هو أمر غير واقعي أيضًا.

أمّا الحديث عن أنّها دعاوى لخدمة قضيّة المودعين، فهو أمر غير صحيح ولا يستند إلى الواقع المالي والنّقدي، انطلاقًا من أنّ المركزي لا يملك أموال المودعين الّتي اقترضتها الدّولة طيلة سنوات مضت، وبالتّالي يحتاج الحل لتشريعات ضروريّة.