لا شكّ أن الحكم الجديد في سوريا أرخى بظلاله بشكل أساسي على الأوضاع في المنطقة التي تغيّرت بشكل كامل وإنتقلت من العصر الايراني الى العصر الأميركي مع سقوط النظام السوري وما حصل في لبنان مع "حزب الله" من "البايجر" الى اغتيال قادته وعلى رأسهم الأمين العام السابق لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، هذا كلّه أدخل المنطقة في مرحلة جديدة أوصلت أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) على رأس القيادة السورية الجديدة.

بغضّ النظر عن الآراء المختلفة في الحكم على الادارة السورية الجديدة بقيادة الجولاني الذي هو عملياً ينتمي الى جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام التي صنّفت تنظيماً إرهابياً من قبل الاميركيين. السؤال اليوم الذي يطرح نفسه هل سيستقرّ الوضع للجولاني طويلاً أم أن وضعه سيكون شبيهاً بمرحلة حكم الإخوان المسلمين في مصر؟.

"بعد توقيع الهدنة في لبنان وغزّة سيكون هناك تصاعد للمقاومة وبنفس الوقت سيكون هناك صراع في سوريا". هذا ما يراه الباحث السياسي جمال واكيم، لافتاً الى أنه "لن يستقرّ الوضع للجولاني في سوريا، وأرى مشهداً شبيهاً لمشهد مصر إذ سيكون هناك صراع كبير بين أجنحة مختلفة فيها وحتماً هذا الأمر سيؤدي الى إحداث فوضى هناك".

ويشرح جمال واكيم شكل الصراع الذي يتحدث عنه. إذ يلفت الى أنه "سيكون هناك تواجد للشرع في دمشق، منطقة الساحل التي يتواجد فيها المسيحيون والعلويون إضافة الى قضية تهجير المسيحيين من مناطق القلب، هناك أيضا تواجد للشيخ إبراهيم الهجري أو إبراهيم الهجري الأول كما يعرف في جبل العرب، الذي رفض دخول جماعة الجولاني أو هيئة تحرير الشام الى هذه المنطقة ولديه تنسيق مع رئيس الحزب الاشتراكي في لبنان وليد جنبلاط كما ومع إسرائيل".

"في شرق الفرات هناك أيضاً معارك مع الجولاني". هذا ما يؤكده واكيم لـ"النشرة"، لافتا الى أن "تركيا تريد الاستثمار بتقدم الجماعات المسلحة في مناطق محافظتي حماة وحلب وأجزاء من حمص، وهدف ذلك هو للضغط السياسي على الحكومة السوريّة في دمشق، للاعتراف بالتواجد التركي المباشر في مناطق الحسكة وحلب القربية من الحدود التركية أي مناطق درع الفرات ونبع السلام وغصن الزيتون"، مشيراً أيضاً الى أن "هناك أيضاً غضب أوروبي على الجولاني وهو المدعوم من قطر وتركيا وهناك تحفظ سعودي عليه".

في السياق نفسه رأت مصادر مطلعة سورية عبر "النشرة" أن "الوضع في سوريا غير مريح ابدا وقابل للانفجار في ايّ لحظة "، لافتة الى أن "الدعم القطري والتركي للجولاني، فالاولى تريد تمرير مشروعها الذي يميل الى "الاخوان المسلمين" والتأكيد على صوابيته امام المجتمع الدولي، والثانية ايضا تريد استعمال الثورة السورية للقضاء على الخطر الكردي في الشمال الشرقي، بحجة وحدة وسلامة الاراضي السورية".

وأشارت المصادر الى أنه "على الصعيد الداخلي، تتصاعد الممارسات التي تعتبرها الحكومة الحالية تصرفات فردية، وهي تندرج تحت بند الافعال الانتقاميّة، والتي تسبب غضبا شعبيا متصاعدا، وخاصة ما يحصل ضد الطائفة العلوية في الساحل السوري، حيث حدثت مجازر ضد المدنيين بتوثيق المرصد السوري لحقوق الانسان، في قرية الهفل وغيرها من مناطق ريف جبلة وريف القرداحة وبانياس، ولم تستطع الادارة السورية حتى الآن اعتقال المتورطين، بل يُكتفى بالقول انها حملات ضد "فلول النظام"، علماً انه لم يصدر عن الادارة الجديدة تعريف واضح "لفلول النظام"، فكل من كان يعمل في سلك الدولة سابقا او من الطائفة العلويّة يعتبر من "فلول النظام"، وبالتالي يبرر المجازر ضد المدنيين التي بدأت تقلق الجانب الغربي".

واضافت المصادر: "رغم الإنفتاح على الحكومة الجديدة، ومع فشل المفاوضات مع تنظيم قسد في الجزيرة واحتدام المعارك في محيط سدّ تشرين، ودعوات الدروز في الجنوب الى الفدرالية، وعدم تسليمهم السلاح، والاحتقان في الساحل السوري الذي بدأ يدعو لتشكيل مقاومة مسلحة ضد الممارسات التي تحدّثنا عنها سابقا تضع سوريا امام خيارين: اما قبول حلّ الفدراليّة الى اربعة اقسام وهذا ما ترفضه قطر وتركيا والحكومة السوريّة الجديدة، او المواجهة الكبرى التي تعتبر مرجّحة اكثر، وخاصة مع نشاط تنظيم داعش في البادية السورية واطلاقه بيانات تهديد للحكومة السورية الجديد ".

كلما تقدم الوقت يزداد الصراع بين الأجنحة في سوريا، فهل تتم الاطاحة بحكم الجولاني؟ سؤال متروك للأيام المقبلة الكفيلة بالإجابة عليه!...