في ظلّ إستمرار قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، في محاولات تلميع صورته أمام الجهات الخارجية، التي أظهرت رغبة حذرة في التعامل معه بوصفه القائم على السلطة الحالية في البلاد، بعد رحيل النظام السابق برئاسة بشار الأسد، رغم الإنتهاكات التي تشهدها العديد من المناطق، لا يمكن تجاهل مجموعة من التحديات الأخرى التي تواجه الرجل، خصوصاً على المستوى الأمني، مع العلم أن بعضها قد يتحول إلى فرص مساعدة له في المستقبل.
في هذا السياق، قد يكون التحدّي الأبرز، التي تسعى العديد من الجهات الإقليمية والدولية إلى تفادي تداعياته، هو خطر المنظمات الإرهابيّة، بالرغم من أن الهيئة التي يتزعمها، أي هيئة "تحرير الشام"، لم ترفع، حتى الآن، عن قائمة المنظمات الإرهابية، ما يفرض البحث في خلفيات المواقف التي صدرت، في الأيام الماضية، عن تنظيمي "داعش" وتنظيم "حراس الدين".
بالنسبة إلى "حراس الدين"، الذي أعلن نفسه، مشيراً إلى أن السبب هو "تحقيق النصر المُبين"، من الضروري الإشارة إلى أنّ التنظيم، الذي كان يعتبر فرع "القاعدة" في سوريا، ويرى أن ما تحقق مرضياً له، بالرغم من أن ولادته، في العام 2018، جاءت نتيجة إنشقاق قياديين في "تحرير الشام"، إعتراضاً على قرارها فك الإرتباط بـ"القاعدة"، وهو ما يتأكد من خلال إشارة التنظيم إلى أن قرار الحل مرتبط بـ"أمر أميري من القيادة العامة".
وفي حين من الممكن الحديث عن أن حضور التنظيم على الساحة السورية، كان قد تراجع كثيراً، بعد الضربات التي تعرض لها، لا سيما أنه كان على خصومة مع "تحرير الشام"، إلا أنه لا يمكن تجاهل الرسائل التي تضمنها بيان الحل، خصوصاً لناحية دعوته "أهل السنة" إلى عدم ترك سلاحهم وتجهيز أنفسهم للمراحل المقبلة، لأن "الشام أرض الملاحم الكبرى ومقبرة الطغاة والمستعمرين، وفسطاط المسلمين في قتال اليهود ومن يلونهم من أعداء الدين"، بالإضافة إلى نصحيته الإدارة الجديدة بـ"إقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين".
هذه الرسائل، من حيث المبدأ، تتناقض مع التوجه الجديد الذي يسعى الشرع إلى تكريسه، منذ تسلمه السلطة بعد رحيل النظام السوري السابق، لكن الأمور ستتوقف على المسار العام الذي ستسلكه الأوضاع على الساحة السورية في المستقبل، إلا أنّ خطوة التنظيم من الممكن النظر إليها على أساس أنها تعكس رغبة منه في عدم الدخول في صدام مع الإدارة الجديدة، في المرحلة الراهنة، مع العلم أنها تواجه تحديات أخطر، أبرزها ممارسات الفصائل التي تضم مقاتلين أجانب، التي تمثل عامل ضغط عليها.
من جانبه، كان تنظيم "داعش" قد خرج، في الأيام الماضية، بمواقف تعبر عن رؤيته للإدارة الجديدة، التي كان من المتوقع أن يكون صدامياً معها، بسبب الخلافات القائمة منذ تاريخ إنقلاب الجولاني على زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي، حيث أشار إلى أن الفصائل المشاركة في عملية "ردع العدوان" ليست سوى "بيادق" تعمل لصالح تركيا ودول أخرى.
كما وجه "داعش" الاتهام للفصائل العسكرية في سوريا بخوض حرب بـ"الوكالة" بين القوى الإقليمية، مشيراً إلى أن "الصراع الدائر يهدف لتحقيق مكاسب سياسية على طاولات المفاوضات"، ومعتبراً أن "من يدعو لدولة مدنيّة في سوريا هو شريك وعميل لليهود والصليبيين وطاغية جديد"، ومتسائلاً عن "سبب الخروج على بشار الأسد إن كانت الثورة ستفضي إلى نظام حكم دستوري".
من حيث المبدأ، المواجهة مع "داعش"، في ظل التوجه الذي يعلن عنه الشرع، قد تساعده على مستوى السعي للحصول على الشرعية الدولية التي يطمح إليها، لكنه في المقابل يمثل تحدياً على مستوى قدرته على ضبط الأوضاع، من الناحية الأمنيّة تحديداً أو على مستوى زيادة التدخلات الخارجية، خصوصاً أنه بات يمثل السلطة الحاكمة، بحسب النظرة الخارجيّة، ولم يعد عبارة عن تنظيم مسلح فقط.
بالإضافة إلى ما تقدم، "داعش" قد يمثل، من الناحية العملية، عامل جذب للمجموعات والعناصر المتطرفة، التي لا تزال متحالفة مع الشرع، على قاعدة أنها قد تقرّر الإبتعاد، عنه بسبب السياسات التي ينتهجها، وبالتالي ربما تجد نفسها في تحالف مع "داعش"، ما سيرفع من مستوى التحديات التي يواجهها، خصوصاً أنّ العديد من المؤشّرات تؤكّد أنه لا يزال عاجزاً عن ضبط الأوضاع في البلاد بشكل كامل.
في المحصّلة، يمكن الحديث عن معادلة واضحة، تقوم على أساس مهادنة "القاعدة" للشرع، في مقابل إعلان "داعش" إستمرار المواجهة معه، على وقع إستمرار الضغوط التي يتعرض لها، على المستويين الداخلي والخارجي، بسبب ماضيه المرتبط بالتنظيمين، الأمر الذي سيبقى يمثل عامل إبتزاز له من أجل تقديم المزيد من التنازلات.