تلعب الصورة دورًا محوريًا في حياتنا، إذ تتيح لنا التقاط لحظات غنية بالمشاعر، وتوثيق أحداث قد لا تتكرر أبدًا. فهي ليست انعكاسًا للواقع، بل وسيلة للتعبير والتواصل، تحمل في طياتها معاني تتجاوز حدود الزمان والمكان.

لكن هل تعكس الصورة دائمًا حقيقة ما تلتقطه؟ وهل تنقل لنا مشاعر الأشخاص بصدق؟ لا شك أن الصورة تحمل بعدًا توثيقيًا، لكنها قد تخفي وراءها الكثير. فقد يظهر شخص مبتسمًا بينما يخفي في داخله ألمًا عميقًا، كما قد تبدو الأماكن ساحرة في الصور بينما تحجب عدسة الكاميرا ما قد يشوبها من عيوب.

تتعدد أهداف التصوير بحسب الغاية المرجوة منه؛ فقد يكون وسيلة لإيصال رسالة، أو توثيق لحظة، أو حتى أداة للترويج. في مجال التسويق، على سبيل المثال، تلعب الصورة دورًا أساسيًا في التأثير على المتلقي، إذ يمكن أن تجعل منتجًا يبدو جذابًا ومغريًا، أو قد تفشل في تحقيق هذا التأثير.

في الفن المسيحي، شكّلت الأيقونة وسيلة أساسية لنقل البشارة، إذ كتبت أحداثًا من الإنجيل المقدّس، وساعدت في تقريب الإيمان إلى قلوب البسطاء. فالأيقونة، في جوهرها، هي إنجيل مصوَّر ينقل رسالة روحية عميقة، لا بالألوان والأشكال، بل بما تحمله من رموز ودلالات.

رغم أهمية الصورة، إلا أنها سلاح ذو حدّين. فهي قادرة على إيصال المشاعر والأفكار، لكنها قد تستخدم أيضًا للتضليل أو التلاعب. وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح تداول الصور يتم بسرعة هائلة، دون رقابة أو ضوابط، مما أدى إلى انتهاك الخصوصية أحيانًا، وسطحية التعامل مع المواقف المهمة في أحيان أخرى.

قد تكون الصورة نافذة على الذكريات، تمنحنا فرصة للعودة إلى لحظات الفرح في أوقات الشدة، لكنها قد تتحول أيضًا إلى وسيلة لاستغلال العواطف، أو حتى للترويج لأجندات معينة. لذلك، من الضروري التعامل مع الصور بوعي ومسؤولية، وإعادة الاعتبار إلى قيمتها الحقيقية، بحيث تبقى أداةً للمعرفة والتوثيق، لا مجرد وسيلة استهلاكية تفتقر إلى العمق والمعنى.

خوفي أن نكون قد انزلقنا في حضارة الصورة ونسينا باقي الحضارات، خوفي أن تحل الصورة مكان الأصيل في كل شيء، خوفي أن يغدو الإنسان أسير الصورة وتكبّل فكره ومشاعره، خوفي أن تهيمن الصورة على على الحضور الشخصي، خوفي... من هنا اسمح لنفسي أن أردد ما كتبه المطران جورج خضر في العام ٢٠٠٧: "هل نحن تحت تأثير الصورة وبتنا في حضارة الصورة، وهل أغلق الكتاب؟ لا افقد أملي بأن الكتاب لا يموت، وأن التكنولوجيا المصورة لن تسعدنا إلى الأبد..."