بعد إنتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وتسمية رئيس الحكومة المكلف نواف سلام، يعود الرهان على التدخل الخارجي من أجل الدفع نحو تشكيل الحكومة العتيدة، خصوصاً بعد الرسائل الأميركيّة، التي وصلت إلى بعض الشخصيات اللبنانية، بالإضافة إلى الحديث عن زيارة للموفد السعودي يزيد بن فرحان، لا سيما أن سلام وضع نفسه أمام مجموعة من التعقيدات التي لن يكون من السهل تجاوزها، إلا بحال حصل على قوة دفع مساعدة قوية.

من حيث المبدأ، تفيد بعض الشخصيات، التي تلتقي رئيس الحكومة المكلف، بأنها غير قادرة على فهم الأسس التي يشكل الحكومة بناء عليها، خصوصاً أنه لا يقدم أجوبة واضحة أو حاسمة، الأمر الذي يبرر المعطيات المتناقضة حول عملية التأليف، ما يدفع إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام حول الجهة أو الجهات المؤثرة في هذه العملية.

في هذا السياق، تذهب مصادر سياسة متابعة، عبر "النشرة"، إلى التشديد على ضرورة البحث في المعادلات التي تحكم سلام، لفهم حقيقة ما يحصل، حيث تشير إلى أن في الداخل من قرر فتح معركة سياسية عنوانها إبعاد الثنائي الشيعي عن الحقائب والأسماء، على قاعدة أن البلاد دخلت مرحلة جديدة، خصوصاً بعد التطورات التي سجلت، في الأشهر الماضية، على المستويين الإقليمي والمحلي.

وتلفت هذه المصادر إلى أنه ضمن هذا الفريق يمكن الحديث عن توجهين: الأول يريد خوض هذه المعركة حتى النهاية، إنطلاقاً من قناعة لديه بأن الثنائي لن يكون قادراً على المواجهة، في حال توفر الدعم الخارجي لمثل هذه الخطوة، أما الثاني، الذي يضم الكتل النيابية الموجودة في المجلس النيابي، فإن هدفه الفعلي دفع رئيس الحكومة المكلف إلى إلتزام مبدأ المعاملة بالمثل، على مستوى توزيع الحقائب وإختيار الاسماء.

بالمقابل، ترى المصادر نفسها أن رئيس الحكومة المكلف، الذي وجد نفسه مضطراً إلى إعتماد الواقعية مع الثنائي، من منطق التسليم بدوره في إختيار من يمثله في الحكومة، بالإضافة إلى حصوله على حقيبة المال، لا يريد أن يخسر الصورة التي يسعى إلى تكريسها في الحياة السياسية، على قاعدة أنه يأتي إلى رئاسة الحكومة وفق المنهج التغييري، الأمر الذي يدفعه إلى التأثر بأي حملة يتعرض لها، سواء كان ذلك عبر وسائل الإعلام أو عبر مواقع التواصل الإجتماعي.

بالنسبة إلى المصادر السياسية المتابعة، ضمن هذه المعادلات من المفترض قراءة الكباش الحاصل حول التشكيلة الحكومية، بالإضافة إلى فهم الدور الذي من الممكن أن تبادر إليه القوى الخارجية الداعمة، حيث السؤال عما إذا كان أي تدخل خارجي سيكون من أجل الضغط على سلام، بهدف التعامل بواقعية مع التوازنات الموجودة، أو للضغط على القوى السياسية من أجل تسهيل مهمته.

هنا، تذهب هذه المصادر، التي تؤكد أن التدخل الخارجي من الممكن أن يسهل عملية التأليف، إلى السؤال، في حال كانت الضغوط ستنصب على القوى السياسية، عما إذا كان ذلك سيشمل الثنائي الشيعي أم لا، خصوصاً أن الجهات التي من المفترض تقف خلفها لا تمون على الثنائي من حيث المبدأ، ما يقود إلى سؤال آخر عن الخطوات التي من الممكن أن يبادر إليها هذا الثنائي، في حال ذهب سلام إلى تشكيل حكومة أمر واقع.

في المقابل، تطرح المصادر نفسها الكثير من علامات الإستفهام حول موقف رئيس الحكومة المكلف، في حال كانت الضغوط ستنصب عليه لإعتماد المعايير نفسها مع جميع الكتل النيابية، الأمر الذي سيعني كسر الصورة الّذي سعى إلى تكريسها منذ تسميته، خصوصاً أن ذلك جزءاً من الحملات التي تخاض ضده، على قاعدة أن المطلوب منه الذهاب إلى معايير مختلفة في عملية التأليف.

في المحصّلة، العنوان الأساسي في عملية التأليف، هو السؤال عن طبيعة المرحلة المقبلة، حيث الصراع بين مفهومين: الأول أن تكون مرحلة إنتقالية تسبق الإنتخابات النيابية في العام 2026، أما الثاني فهو أن تكون مرحلة تأسيسية يراد من خلالها تكريس توازنات جديدة في البلاد، الأمر الذي يتوقف على رغبة اللاعبين الخارجيين الفاعلين في الساحة اللبنانية، خصوصاً أن لكل مرحلة التداعيات التي من الممكن أن تترتب عليها، من منطلق الرغبة والقدرة.