من سمع رئيس الحكومة المكلف نواف سلام من قصر بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، اعتقد انه يصارع التهديدات كل دقيقة، وان الخطر محدق به في كل لحظة، وهو على الرغم من كل ذلك سيستمر في مساعيه ويقدّم التضحيات. هذا الكلام صدر عن مصدر لبناني معاصر لرؤساء الحكومات والتشكيلات الحكومية في العقود الاخيرة. ويقول المصدر: لا شك ان القاضي نواف سلام يتمتّع بسمعة جيدة، والاهم انه من خارج نادي الطقم السياسي اللبناني الذي ان لم يغرق معظمه بالحروب ومآسيها وعمليات القتل والتهجير، فإنه غارق حتى اذنيه بمسائل الهدر والفساد.
ان سمعة رئيس الحكومة المكلّف كانت مريحة للاذن، ولكن بعد ان بدأ الكلام اثر لقاءاته مع رئيس الجمهورية، بدت الاذن غير مرتاحة لما سمعت، فهو اولاً يتعمّد في تصريحاته اقصاء عون عن كل ما يقوم به في المسألة الحكوميّة ويركّز على نفسه فقط، علماً انه يعرف تماماً دور رئيس الجمهوريّة في هذا الامر، واكبر دليل انه يتواصل معه كل فترة ويدلي بتصريحاته من القصر الجمهوري، فدوره المحوري والاساسي لا يلغي بأي شكل دور غيره ايضاً وفق ما ينص عليه الدستور.
ثانياً، تضيف المصادر، تحدّث رئيس الحكومة المكلف عن حملات وتجنّ وتشكيك. هذا الامر صحيح ولكنه يبقى ضمن السقف الطبيعي جداً، فهل كان ينتظر مثلاً ان يحظى بتأييد الجميع من دون اعتراض؟ وهل من مسؤول سياسي في لبنان وغيره ينجو من الانتقادات وحتى التجريح في كثير من الاحيان؟ ولكن ما حصل حتى الآن، طبيعي، ولم تكن هناك حملات ممنهجة وهجمات على مدار الساعة على خيارات واسلوب سلام. واعتبرت المصادر ان هذا الامر يجب معالجته سريعاً، لانّ على رئيس الحكومة، اياً يكن، ان يتعاطى مع كل ما يواجهه بموضوعيّة فائقة، فلا يثور وينفعل عند الانتقاد، ولا يغرق في الاطمئنان عند الاشادة، فالعمل السياسي دقيق ويجب اعطاء كل المسائل حجمها من دون زيادة او نقصان، والا فعلى "الانسجام الوزاري" السلام، وعلى التفاهم مع باقي المسؤولين الرسميين والحزبيين والسياسيين ايضاً، السلام.
ثالثاً، وفق المصادر نفسها، فإنّ ما يخرج به سلام من قصر بعبدا، غالباً ما يتناقض مع الاجواء التي تسود في القصر الجمهوري ولدى المسؤولين السياسيين والحزبيين، فإمّا انّه يتحدث مع اناس من خارج البلد او ان ما يستشفّ من كلامه عن اجواء الحكومة يهدف الى ايصال رسائل يرغب سلام في ارسالها.
اليوم، نأمل ان يكون رئيس الحكومة الفعلي مختلفاً عن رئيس الحكومة المكلّف، ليس في الجوهر، انما في الاسلوب. فالاستمرار في التعاطي بهذه الطريقة يحمل تحذيرات كثيرة على العلاقة بين المؤسسات من جهة، وعلى العلاقة داخل الحكومة من جهة ثانية، في فترة يجب فيها الابتعاد كل البعد عن مثل هذه الاجواء، ليس على حساب البلد ومصلحته بطبيعة الحال، انما من اجل هذه المصلحة، اي بمعنى آخر من دون التفريط بأسس ومبادئ تؤمّن الحد الادنى من الطمأنينة للبنانيين. وفي ظل استمرار الايجابية في الاجواء، والتي بدأت باتفاق وقف الاعمال الحربيّة بين لبنان واسرائيل، واستمرّت بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة، يمكن البناء على كل ذلك من اجل الدفع نحو مرحلة جديدة، وهذا ما يحتاج الى استيعاب الجميع، ولا سيما سلام، الّذي تحدث عن الموروثات بالامس، التي لا يمكن ان تختفي بين ليلة وضحاها، بل تحتاج الى جهد ومثابرة للعمل على تعديلها اولاً ومن ثم الاطاحة بها بعد ان يكون قد استوعب اللبنانيون البديل عنها... قد تطول هذه المسألة، وربما قد لا تصل الى خواتيمها السعيدة، ولكن لا ضير من المحاولة، والتوفيق من الله.