ما زالت تداعيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، على خلفية عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة "حماس" في 7 تشرين الأول 2023، وامتدادها إلى لبنان كحرب إسناد أولًا ثم عدوان واسع، تتوالى فصولًا، وسط محاولة أميركية–إسرائيلية لرسم خارطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، تقوم على تصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة.

ووفقًا لمصادر فلسطينية بارزة لـ"النشرة"، فإن المخطط الأميركي-الإسرائيلي الجديد يحاكي نكبة فلسطين عام 1948، أو نسخة جديدة من وعد بلفور المشؤوم، أو وجهًا آخر لـ"صفقة القرن" التي فشلت في ولاية الرئيس الأميركي الأولى دونالد ترامب، ويقوم على تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى الأردن ومصر، وعلى توطين اللاجئين في الشتات.

وبالرغم من رفض مصر والأردن لهذا المخطط، إلا أن هذا الطرح أعاد إلى الأذهان سيناريوهات التهجير القسري الذي تعرض له الفلسطينيون عامي 1948 و1967، وأثار مخاوف بشأن المساعي الهادفة لتفريغ غزة من سكانها وإعادة تشكيل ديموغرافيتها. وقد قوبلت هذه الخطوة برفض واسع من قبل السلطة والقوى الفلسطينية، التي اعتبرتها تهديدًا مباشرًا وحقيقيًا وجديًا لحق العودة، ومحاولة جديدة لتكريس اللجوء وفرض التوطين كأمر واقع.

وأكدت المصادر أن المخطط بدأ خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، من خلال استغلال عملية "طوفان الأقصى" والصمت العربي والدولي، ثم بالعدوان الهمجي على الضفة الغربية، والذي من المتوقع أن يستمر ويتصاعد بهدف تقويض السلطة عبر احتمال الاعتراف الأميركي بالسيطرة الإسرائيلية عليها، تزامنًا مع الحصار المالي الذي يُفرض على "الأونروا" من أجل إنهاء عملها، والذي توجه ترامب بقرار وقف المساعدات المالية للوكالة، والتي تُقدَّر بنحو 350 مليون دولار، كما فعل سابقًا.

وسط هذا المشهد، لا يُخفي اللاجئون الفلسطينيون في لبنان خشيتهم من هذا المخطط المشبوه، إذ يُلقي بظلال ثقيلة على مستقبلهم وحقوقهم في ظل اعتمادهم على مساعدات الوكالة في الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، وانهيار قيمة العملة الوطنية، واستمرار حرمانهم من الحقوق المدنية والاجتماعية والإنسانية، وفي مقدمتها حق التملك والعمل.

وما زاد المشهد تعقيدًا في لبنان، تصاعد التوتر بين إدارة "الأونروا" والفصائل الفلسطينية السياسية والشعبية والتربوية، على خلفية قرار الوكالة فصل موظفين تحت ذريعة مخالفة الحيادية، وهو ما اعتُبر مجحفًا وظالمًا، وأثار موجة من الغضب والتحركات الاحتجاجية الواسعة والمتدحرجة، لجهة إقفال مكاتب "الأونروا" ومقراتها في بيروت والمناطق.

وفيما طالبت الفصائل الفلسطينية إدارة الوكالة بالتراجع عن القرار الذي اتخذه المفوض العام فيليب لازاريني، بزعم انتهاك سياسة الحيادية، أكدت الوكالة أنهم وُضعوا في إجازة إدارية مدفوعة الأجر إلى حين استكمال التحقيقات، وأن هذه الخطوة "لا تمس حقوقهم كموظفين، ولا تُعتبر إجراءً تأديبيًا بحقهم".

زيارة لازاريني

وخرق المشهد المعقد، الزيارة التي قام بها المفوض العام لازاريني إلى لبنان، حيث أجرى سلسلة من اللقاءات مع مسؤولين لبنانيين وفلسطينيين رفيعي المستوى، ومنهم رؤساء الجمهورية جوزاف عون، رئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، وسفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور. كما عقد اجتماعات مع سفراء النرويج، وألمانيا، وسويسرا، وإيطاليا، واليابان، وأستراليا، إضافة إلى مندوبي سفارات الدنمارك، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وإسبانيا، والاتحاد الأوروبي.

وعلمت "النشرة" أنه خلال هذه اللقاءات قدّم لازاريني إحاطة حول الوضع الراهن لـ"الأونروا"، مسلطًا الضوء على التحديات المالية والتشغيلية التي تواجهها، لا سيما تلك الناجمة عن التشريعات الإسرائيلية الجديدة التي تستهدف عرقلة عملياتها في الأرض الفلسطينية المحتلة، ووقف الولايات المتحدة الأميركية مساعداتها المالية.

لكن لازاريني أكد التزام "الأونروا" بمواصلة عملها في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، مشددًا على أن الوكالة لن تدخر أي جهد لضمان استمرار خدماتها الأساسية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية. مشيرًا إلى أن وقف إطلاق النار في غزة يمثل بارقة أمل، ومؤكدًا أن "الأونروا" ستظل ركيزة أساسية في تقديم المساعدات الإنسانية ودعم جهود التعافي في المستقبل.

وفيما يتعلق بالوضع المالي للوكالة، أوضح لازاريني أن "الأونروا" لا تزال تواجه حالة من عدم اليقين، حيث تستمر التحديات المالية في التأثير على قدرتها على تقديم الخدمات، مشيرًا إلى الحاجة الملحة لوضع خارطة طريق تضمن استمرارية واستدامة الدعم للاجئين الفلسطينيين ضمن إطار سياسي واضح وداعم.